هل يجوز أن يحلف المسلم بالله ألا يدخن أية سيجارة أبدا ، على سبيل المثال ، ويجعل نفسه عرضة للعنة الله إن لم يبر بقسمه ، (كأن يقول بأن لعنة الله عليه إن دخن مرة أخرى) ؟ إذا كان ذلك لا يجوز ، فكيف يتصرف من فعل ذلك وهو جاهل ؟.
الحمد لله.
أولاً : لا يجوز للرجل أن يحلف على نفسه باللعنة ولا بغضب الله ولا بالكفر والخروج من الملة والردة عن الإسلام وما أشبه هذا ، والدليل على ذلك :
1- قال الله تعالى : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) يونس/11 .
قال القرطبي :
قال مجاهد : نزلت في الرجل يدعو على نفسه أو ماله أو ولده إذا غضب اللهم أهلكه اللهم لا تبارك فيه والعنه أو نحو هذا فلو استجيب ذلك منه كما يستجاب الخير لقضي إليهم أجلهم فالآية نزلت ذامة لخلق ذميم هو في بعض الناس يدعون في الخير فيريدون تعجيل الإجابة ثم يحملهم أحيانا سوء الخلق على الدعاء في الشر فلو عجل لهم لهلكوا الثانية . " تفسير القرطبي " ( 8 / 315 ) .
2- عن ثابت بن الضحاك – رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( من حلف على ملة غير الإسلام فهو كما قال ) . رواه البخاري ( 5700 ) .
3- وسمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رجلاً يلعن بعيره لما تباطأ في المشي ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا اللاعن بعيره ؟ قال : أنا يا رسول الله . قال : انزل عنه ، فلا تصحبنا بملعون ، ولا تدعوا على أنفسكم ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب لكم " . رواه مسلم ( 3014 ) .
ثانياً :
أما ما يصنع من قال ذلك : ففيه خلاف بين العلماء فذهب بعضهم أن عليه الكفارة ، وقال آخرون : ليس عليه كفارة .
وقد روى عبد الرزاق في المصنف بعض الآثار الواردة عن السلف في ذلك :
فعن ابن عباس : " في الرجل يقول هو يهودي أو نصراني أو مجوسي أو بريء من الإسلام أو عليه لعنة الله أو عليه نذر قال : يمين مغلظة " . ( 15974 ) .
وعن طاووس قال : " من قال أنا كافر أو أنا يهودي أو نصراني أو مجوسي أو أخزاني الله أو شبه ذلك فهي يمين يكفرها " . ( 15975 ) .
وعن ابن جريج قال : " سمعت إنسانا قال لعطاء رجل قال عليَّ غضب الله أو أخزاني الله أو دعوت الله على نفسي بشيء أأكفر ؟ قال : هو أحب إلي إن فعلت قال فإن لم أفعل قال ليس عليك شيء ليست بيمين " . ( 15977 ) .
وعن ابن جريج قال : " سمعت عطاء سئل عن قول الرجل : عليَّ عهد الله وميثاقه ثم يحنث أيمين هي ؟ قال : لا . إلا أن يكون نوى اليمين أو قال أخزاني الله أو قال عليَّ لعنة الله أو قال أشرك بالله أو أكفر بالله أو مثل ذلك . قال : لا . ( يعني ليست بيمين ) إلا ما حلف بالله عز وجل " ( 15978 ) .
ورجّح ابن قدامة رحمه الله أنه لا كفارة عليه لعدم وجود دليل على وجوبها . انظر المغني (13/465)
وقد سألنا فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين حفظه الله عن هذه المسألة فأفاد : أن هذا ليس بيمين ، وليس عليه كفارة ، وعليه التوبة إلى الله تعالى من ذلك . اهـ .
وإذا أخذ المسلم بالأحوط وأخرج كفارة يمين كان حسناً .
والله أعلم .