الحمد لله.
أولا :
لا ينبغي التساهل في الإقامة في بلاد الكفر ، فإن ذلك له آثاره السيئة على دين المسلم وعقيدته ، ولذلك حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الإقامة بين الكفار ، فقال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ ) رواه أبو داود (2645) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وهناك حالات يجوز فيها إقامة المسلم في بلاد الكفر ، لكن بشروط معينة ، يقصد منها ألا يتضرر المسلم في دينه بالإقامة بينهم ، ولمعرفة ذلك راجع الأسئلة (13363) و (27211) .
ثانياً :
ينبغي أن تقارن بين المصلحة في بقاء أهلك إلى جوارك ، تقوم على رعايتهم وخدمتهم ، وتربيتهم ، وتتحصن بهم من الفتن ، وبين مفسدة بقائهم في هذه البلاد (بلاد الكفر) ، وما يمكن أن يصيبهم في دينهم وأخلاقهم ، ومفسدة بقائك بمفردك أيضا ، بعيدا عنهم ، وينبغي أن يكون هذا بالمشاورة مع أهلك ، والرغبة منكما جميعا في تقوى الله تعالى ، واختيار ما يرضيه . فإذا ترجح لديك أن الأفضل هو إبعادهم عن هذه البلاد ، وإرجاعهم إلى بلدهم الإسلامي ، فلا حرج عليك في ذلك ، وتلزم الزوجة طاعتُك وتنفيذُ أمرك .
وقد دل على وجوب طاعة الزوجة لزوجها – في غير المعصية – أدلة منها : ما رواه أحمد (18233) والحاكم عَنِ الْحُصَيْنِ بْنِ مِحْصَنٍ ( أَنَّ عَمَّةً لَهُ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَاجَةٍ فَفَرَغَتْ مِنْ حَاجَتِهَا ، فَقَالَ لَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَذَاتُ زَوْجٍ أَنْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ : كَيْفَ أَنْتِ لَهُ ؟ قَالَتْ : مَا آلُوهُ إِلا مَا عَجَزْتُ عَنْهُ . قَالَ : فَانْظُرِي أَيْنَ أَنْتِ مِنْهُ ؟ فَإِنَّمَا هُوَ جَنَّتُكِ وَنَارُكِ ) والحديث جَوَّد إسناده المنذري في الترغيب والترهيب وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1933) .
ومعنى : ما آلوه : أي لا أقصّر في حقه .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَصُومَ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ إِلا بِإِذْنِهِ ) رواه البخاري (5195)
قال الألباني رحمه الله معلقا على هذا الحديث : " فإذا وجب على المرأة أن تطيع زوجها في قضاء شهوته منها ، فبالأولى أن يجب عليها طاعته فيما هو أهم من ذلك مما فيه تربية أولادهما ، وصلاح أسرتهما ، ونحو ذلك من الحقوق والواجبات " انتهى من "آداب الزفاف" ص 282 ، وانظر السؤال (43123) .
ثانيا :
للزوج أن يسافر ويتغيب عن أهله ، لأجل الدراسة أو العمل ونحوه من المصالح المشروعة ، مدة لا تزيد على ستة أشهر ، فإن زاد على ذلك فلا بد من استئذان زوجته ، والأصل في ذلك أن عمر رضي الله عنه سأل النساء : ( كم تصبر المرأة عن الزوج ؟ فقلن : شهرين ، وفي الثالث يقل الصبر ، وفي الرابع ينفد الصبر . فكتب إلى أمراء الأجناد أن لا تحبسوا رجلا عن امرأته أكثر من أربعة أشهر ) ، وفي رواية ( فوقت للناس في مغازيهم ستة أشهر ، يسيرون شهرا ، ويقيمون أربعة ، ويسيرون شهرا ). ينظر : "المغني" ( 7/232 ، 416) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " سفر الرجل عن زوجته إذا كانت في محل آمن : لا بأس به ، وإذا سمحت له بالبقاء أكثر من ستة أشهر فلا حرج عليه ، أما إذا طالبت بحقوقها ، وطلبت منه أن يحضر إليها فإنه لا يغيب عنها أكثر من ستة أشهر ، إلا إذا كان هناك عذر كمريض يعالج وما أشبه ذلك ، فإن الضرورة لها أحكام خاصة . وعلى كل حال فالحق في ذلك للزوجة ، ومتى ما سمحت بذلك وكانت في مأمن فإنه لا إثم عليه ، ولو غاب الزوج عنها كثيرا " انتهى من "فتاوى العلماء في عشرة النساء" (ص 106) .
والله أعلم .