حينما يقاتل المجاهدون فإنهم يأسرون أرضاً ومغانم ، ومالاً ، أسلحة الخ حينما نتكلم من الناحية الإسلامية فإن السرقة في الإسلام حرام ولكن هل هذه سرقة؟ إذا لم تكن كذلك حينئذ :
كيف يجب أن يستخدم هذا المال ؟ من يستطيع أن يستخدمه ؟ هل يجب أن يوزع ؟ إلى من ؟
ماذا يقصد بالخمس ؟ جزاك الله خير.
الحمد لله.
شرع الله تعالى الجهاد في سبيله لغايات ومقاصد عظيمة ، منها نشر هذا الدين ، وتعريف الناس به وبحقيقة الغاية التي من أجلها خلقهم الله تعالى ، ومنها ردُّ ودفع عدوان أعداء هذا الدين الذين يحاربونه لإطفاء نوره ، ويسعون للقضاء عليه وعلى أهله ، والأصل فيه قوله تعالى ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ) الحج /39-40.
وكذلك فإن القتال الدّائر بين المسلمين والكفّار هو من التدافع الذي هو من سنن الله الكونية وقد ذكرها الله بقوله : ( فَهَزَمُوهُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وءاتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاءُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ(251) سورة البقرة ، وكذلك في قوله : ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ(40) سورة الحج
وما يأخذه المسلمون في هذه الحروب من أموال وأسلحة وآلات وأمتعة وعقارات ونحوها هي في الجملة للمسلمين ، وهي مال حلال لهم كما قال تعالى ( فكلوا مما غنمتم حلالاً طيباً ) والمقصود بالغنيمة هي هذه الأموال النقدية والعينية ونحوها مما ينتفع به التي يأخذها المجاهدون في سبيل الله في حربهم مع الكفار . وليس هذا من باب السرقة ، وذلك لما يلي :
1 - أن السرقة هي أخذ مال على وجه الاختفاء من حرزه بغير حق ، وهذا مخالف له تماماً ، إذ أن أموال الجهاد من الفيء والغنيمة تؤخذ من الكفار بحقّ وهو الإذن الشرعي فيه بإباحته لنا بقوله تعالى ( فكلوا مما غنتم حلالاً طيباً ) ولفعله صلى الله عليه وسلم في حروبه وجهاده مع الكفار ، وسلبه لأمتعتهم وأموالهم .
2 - أن السرقة تكون في الأموال المعصومة المحترمة ، وأموال الكفار المحاربين ليست معصومة ولا محترمة .
إذ عُلِمَ هذا فإن جميع الأموال التي يحصل عليها المجاهدون في حربهم مع الكفار تسمى شرعاً ( غنيمة ) و ( فـيئا ) والفرق بينهما أن الأول يكون في المال الذي أُخِذَ بقتال ، وأما الثاني فيكون مما أخذَ بدون قتال أي تركه الكفار وانهزموا أو استسلموا دون معركة ولا عمليات عسكرية ، والواجب الشرعي في الغنيمة هو أن يقوم الإمام أو أمير المجاهدين أو المسؤول والقائد فيهم بجمعها وتقسيمها إلى خمسة أقسام ، قسم منها يوزّع على الجهات التي ذكرها الله تعالى في قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) وأما الأربعة أقسام الأخرى فتوزع بين المجاهدين المقاتلين الذين شاركوا في القتال ، وذلك بإعطاء سهمٍ للراجل وللفارس ثلاثة أسهم ؛ ( سهم له وسهمان لفرسه وهذا إذا استعملت الخيل في القتال ) . ويكون هذا المال حلالا طيبا لجيش المسلمين قد أباحه الله تعالى لهم بقوله (فَكُلُوا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلَالًا طَيِّبًا) .
وأما المقصود بالخمس فهو خمس الغنيمة , ومصارفه خمسة كما في الآية الكريمة ، وهم :
1 - سهم لله ولرسوله : يصرف في مصالح المسلمين العامة ، من غير تعيين ، لأن الله جعله له ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، والله ورسوله غنيان عنه ، فعلم أنه لعباد الله ، فإذا لم يعين الله له مصرفاً ، دلَّ على أن مصرفه للمصالح العامة . ( تفسير ابن سعدي 3 / 169 ) .
2 - سهم منه لقرابة النبي صلى الله عليه وسلم وآل بيته الكرام من بني هاشم وبني المطلب ، ويستوي فيه غنيهم وفقيرهم ، ذكرهم وأنثاهم .
3 - اليتامى : وهم الذين فقدوا آباءهم وهم صغار دون البلوغ .
4 - الفقراء المحتاجون .
5 - ابن السبيل وهو المسافر المنقطع الذي يحتاج إلى مال ليرجع إلى بلده .
وقال بعض المفسرين ( إن خمس الغنيمة لا يخرج عن هذه الأصناف ، ولا يلزم أن يكونوا فيه على السواء ، بل ذلك تبع للمصلحة ) وهذا ما رجحه الشيخ ابن سعدي رحمه الله .
ولمزيد من الفائدة انظر تفسير ابن كثير ( 2 / 269 ) وزاد المعاد لابن القيم ( 3/ 100 - 105 ) .
والله تعالى اعلم .