هل حديث الأم مع ابنها عن ابنها الآخر أو بنتها ، وكلام الزوجة مع زوجها عن أخيها، وكلام الأخ لأخيه عن أخيهما الثالث ، هل هذا غيبة ؟.
الحمد لله.
الغيبة خلق ذميم نهانا الله ورسوله عنه ، قال تعالى : ( وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ ) الحجرات / 12 ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " المسلم أخو المسلم لا يخونه ولا يكذبه ولا يخذله ، كل المسلم على المسلم حرام عرضه وماله ودمه ، التقوى ها هنا ، بحسب امرئ من الشر أن يحتقر أخاه " رواه مسلم برقم 4650 والترمذي برقم 1850 ، وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون وجوههم وصدورهم ، فقلت : من هؤلاء يا جبريل ؟ قال : هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم " رواه أبو داود برقم 4253 .
وأما معنى الغيبة ، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " أتدرون ما الغيبة ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : ذكرك أخاك بما يكره ، قيل : أفرأيت إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته " رواه مسلم برقم 4690 والترمذي برقم 1857 . فالغيبة أن تذكر أخاك في غيابه بشيء يكره أن يقال عنه ، بقصد السخرية منه والاستهزاء به .
أما إن كان ذكرك له في غيابه عند من يقدر أن ينصحه لينصحه ، والاستعانة بمن يرجى منه التأثير عليه لتغيير منكر وقع فيه أو خطأ ، ولكي يعود إلى الصواب فهذا ليس بغيبة ، مثل أن تتكلم الزوجة مع زوجها أو مع ابنها عن ابنها الآخر كي ينصحه فهذا ليس بغيبة .
وكذلك إن كان حديثك عن أخيك أو غيره لوليه - أو القادر على ردعه عن ظلم - بقصد الشكاية وطلب النصرة ، أو أنه أخذ شيئا منك بغير وجه حق فتريد أن تطالب بحقك من ولي من أخذ حقك ، كأن يشكو الرجل أخاه إلى أبيه إن كان أساء إليه أو أخذ حقا من حقوقه لينصفه منه ، وكذلك التظلم للسلطان أو القاضي : فهذا ليس بغيبة .
يقول النووي رحمه الله في شرح شرح صحيح مسلم : " لَكِنْ تُبَاح الْغِيبَة لِغَرَضٍ شَرْعِيّ , وَذَلِكَ لِسِتَّةِ أَسْبَاب : أَحَدهَا التَّظَلُّم ; فَيَجُوز لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّم إِلَى السُّلْطَان وَالْقَاضِي وَغَيْرهمَا مِمَّنْ لَهُ وِلايَة أَوْ قُدْرَة عَلَى إِنْصَافه مِنْ ظَالِمه , فَيَقُول : ظَلَمَنِي فُلان , أَوْ فَعَلَ بِي كَذَا . الثَّانِي الاسْتِغَاثَة عَلَى تَغْيِير الْمُنْكَر , وَرَدّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَاب , فَيَقُول لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَته : فُلان يَعْمَل كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْو ذَلِكَ . الثَّالِث الاسْتِفْتَاء بِأَنْ يَقُول لِلْمُفْتِي : ظَلَمَنِي فُلان أَوْ أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ زَوْجِي بِكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ ؟ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاص مِنْهُ وَدَفْع ظُلْمه عَنِّي ؟ وَنَحْو ذَلِكَ , فَهَذَا جَائِز لِلْحَاجَةِ , وَالأَجْوَد أَنْ يَقُول فِي رَجُل أَوْ زَوْج أَوْ وَالِد وَوَلَد : كَانَ مِنْ أَمْره كَذَا , وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِين جَائِز لِحَدِيثِ هِنْد وَقَوْلهَا : إِنَّ أَبَا سُفْيَان رَجُل شَحِيح . الرَّابِع تَحْذِير الْمُسْلِمِينَ مِنْ الشَّرّ , وَذَلِكَ مِنْ وُجُوه : مِنْهَا جَرْح الْمَجْرُوحِينَ مِنْ الرُّوَاة , وَالشُّهُود , وَالْمُصَنِّفِينَ , وَذَلِكَ جَائِز بِالإِجْمَاعِ , بَلْ وَاجِب صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ , وَمِنْهَا الإِخْبَار بِعَيْبِهِ عِنْد الْمُشَاوَرَة فِي مُوَاصَلَته , وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْت مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا سَارِقًا أَوْ زَانِيًا أَوْ شَارِبًا أَوْ نَحْو ذَلِكَ تَذْكُرهُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَعْلَمهُ نَصِيحَة , لا بِقَصْدِ الإِيذَاء وَالإِفْسَاد , وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْت مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّد إِلَى فَاسِق أَوْ مُبْتَدِع يَأْخُذ عَنْهُ عِلْمًا , وَخِفْت عَلَيْهِ ضَرَره , فَعَلَيْك نَصِيحَته بِبَيَانِ حَاله قَاصِدًا النَّصِيحَة , وَمِنْهَا أَنْ يَكُون لَهُ وِلايَة لا يَقُوم بِهَا عَلَى وَجْههَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّته أَوْ لِفِسْقِهِ , فَيَذْكُرهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلايَة لِيُسْتَدَلّ بِهِ عَلَى حَاله , فَلا يَغْتَرّ بِهِ , وَيَلْزَم الاسْتِقَامَة . الْخَامِس أَنْ يَكُون مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَته كَالْخَمْرِ وَمُصَادَرَة النَّاس وَجِبَايَة الْمُكُوس وَتَوَلِّي الأُمُور الْبَاطِلَة فَيَجُوز ذِكْره بِمَا يُجَاهِر بِهِ , وَلا يَجُوز بِغَيْرِهِ إِلا بِسَبَبٍ آخَر . السَّادِس التَّعْرِيف فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالأَعْمَشِ وَالأَعْرَج وَالأَزْرَق وَالْقَصِير وَالأَعْمَى وَالأَقْطَع وَنَحْوهَا جَازَ تَعْرِيفه بِهِ , وَيَحْرُم ذِكْره بِهِ تَنَقُّصًا وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيف بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى . وَاَللَّه أَعْلَم " .
أما إن كان الكلام لا فائدة منه أو يقصد منه السخرية والاستهزاء أو التشهير فهذه غيبة لا تجوز ، والله تعالى أعلم ..