الحكم في من سب دين رجل مسلم
هل تجب الكفارة على من سب مسلما .كالقول لمسلم : لعن دين أمك ؟
الجواب
الحمد لله.
أولا :
سب الدين أو الملة أو الإسلام كفر أكبر ، بإجماع أهل العلم ، يُستتاب صاحبه فإن تاب
وإلا قتل ، عياذا بالله من ذلك . وانظر السؤال رقم (42505)
، (65551)
وأما سب دينِ شخصٍ مسلمٍ معين ، كقوله : يلعن دينك ، أو دين أمك – والحال أن أمّه
مسلمة - فظاهره سب الدين أيضا ، وهو كفر كما سبق ، وأبدى بعض أهل العلم احتمالا ،
وهو أن يكون مراده حالة الشخص وتدينه ، وهذا قد يؤخذ من القرائن المحيطة ، فحينئذ
يعزر ويؤدب ، وبكل حال فإنه يستتاب ويراجع .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/139) : " اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام أو
دين المسلمين يكون كافرا , أما من شتم دين مسلم ، فقد قال الحنفية كما جاء في جامع
الفصولين : ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم , ولكن يمكن التأويل بأن المراد أخلاقه
الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام فينبغي أن لا يكفر حينئذ "
انتهى
.
وقال الشيخ عليش المالكي : " وفيه أيضا [أي البرزلي] نزلت مسألة وهي أن رجلا كان
يزدري الصلاة وربما ازدرى المصلين وشهد عليه ملأ كثير من الناس منهم من زكي ومنهم
من لم يزك ، فمن حمله على الازدراء بالمصلين لقلة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم
فيلزمه الأدب على قدر اجتهاد الحاكم ، ومن يحمله على ازدراء العبادة فالأصوب أنه
ردة لإظهاره إياه وشهرته به كهذه المسألة المذكورة ، لا زندقة ويجرى على أحكام
المرتد ا هـ
.
قلت : يؤخذ من هذا الحكم فيمن سب الدين أو الملة أو المذهب وهو يقع كثيرا من بعض
سفلة العوام كالحمّارة والجمّالة والخدامين وربما وقع من غيرهم وذلك أنه إن قصد
الشريعة المطهرة والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله
عليه وسلم فهو كافر قطعا ، ثم إن أظهر ذلك فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، وإن
لم يظهره فهو زنديق يقتل ولو تاب .
وإن قصد حالة شخص وتديّنه فهو سب المسلم ففيه الأدب باجتهاد الحاكم ، ويفرق بين
القصدين بالإقرار والقرائن ، وبعضهم يجعل القصد الثاني كالأول في الحكم ، ففي البدر
عن بهرام في مبحث الردة : إذا قال تارك الصلاة لمن قال له صل : إذا دخلت الجنة
فأغلق الباب خلفك ، فإن أراد أن الصلاة لا تأثير لها في الدين فقد ارتد اتفاقا ،
وإن أراد أن صلاة القائل لا تأثير لها لكونها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ففي ردته
قولان ا هـ
. ومن المعلوم أن من الدين والملة القرآن العزيز ، وسبه كفر كما ذكره البرزلي في
مواضع " انتهى من "فتح العلي المالك في
الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/346).
والاحتمال الذي ذكره ، ربما وقع نادرا ، وإلا فالأصل أن لعن دين الشخص هو لعن
للإسلام ، ولا يقدم على هذا إلا متهور مجترئ على حدود الله ، مقتحم لهذه المهلكة
العظيمة ، ولندرة هذا الاحتمال فإن الشيخ عليش رحمه الله لم يذكره في موضع آخر ،
حيث سئل ما نصه : " ( ما قولكم ) في رجل لعن دين آخر ، وفي آخر لعن مذهبه ، وفي آخر
قال له : يلعن مذهبك مذهب القطط ، هل يرتدون أفيدوا الجواب .
فأجبت بما نصه : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، نعم قد
ارتدوا بذلك ، واستحقوا القتل إن لم يتوبوا اتفاقا ؛ لأن سب الدين أو المذهب لا يقع
إلا من كافر ، ولأنه أشد من الاستخفاف به الموجب للكفر ، ولأنه داخل في القسم
الثاني المتقدم عن ابن عبد السلام والقرافي وابن رشد وغيرهم ، والله سبحانه وتعالى
أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ".
انتهى من "فتح العلي المالك" (2/355).
ثانيا :
كفارة السب ، سواء كان سبا للدين أو للشخص ، هي التوبة النصوح ، فمن تاب تاب الله
عليه ، إلا أن الساب يستحق التعزير والتأديب . سئل النووي رحمه الله : " ماذا يجب
على من يقول للمسلم : يا كلب ، أو يا خنزير ، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم ؟.
فأجاب : الحمد لله ، يأثم ويعزر ، وعليه التوبة . والله أعلم ".
انتهى من "فتاوى النووي" ص 224
وانظر السؤال رقم (42505)
ففيه تفصيل الكلام في توبة من سب الدين .
والله أعلم .