هل يجوز أن يطلب من الشركة سكناً إذا كانت ستبنيه بقرض ربوي؟
هل يجوز طلب توفير مسكن من الشركة التي أعمل بها إذا علم أن الشركة ستقوم ببناء العمارات السكنية لموظفيها من خلال قرض من مصرف ربوي ، ثم تقوم بتثمينها وبيعها لموظفيها على أقساط تخصم من مرتباتهم ، وغالبا سيكون ثمن السكن باهظا بحيث يغطي كلفة البناء ومقدار القرض ومكسب إضافي للشركة ؟ وقد رأينا بعض إخواننا الملتزمين - نحسبهم كذلك - تقدموا بالطلب معتبرين أن هذا بمنزلة البيع والشراء .
الجواب
الحمد لله.
هناك مسألتان متعلقتان بموضوع الربا يجب التفريق بينهما :
المسألة الأولى :
التسبب في وقوع الربا : كأن يطلب أحدهم من آخر أن يستقرض له قرضاً ربويّاً ، أو
يقوم بعضهم بكفالة من يتقدم للحصول على القرض الربوي من البنك ونحو ذلك مما يكون
عوناً وسبباً للوقوع في هذه الكبيرة .
وهذه الصورة لا شك في حرمتها ؛ لأن المتسبب في وقوع الحرام له نصيب من الإثم ، وذلك
لقوله سبحانه وتعالى : ( ولاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ )
المائدة/2
.
وقد جاء التشديد في خصوص المعاونة والتسبب في الربا من حديث جابر بن عبد الله رضي
الله عنهما قال : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ )
رواه مسلم ( 1598 )
.
قال النووي رحمه الله :
فيه تحريم الإعانة على الباطل .
" شرح مسلم " ( 11 / 26 ) .
ولما لعن النبي صلى الله عليه وسلم
الخمر ، لعن معها مَنْ أعان على شربها ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ
اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا
وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ )
رواه أبو داود ( 3674 ) وصححه الألباني في "صحيح
أبي داود" .
معتصرها : من يطلب عصرها لنفسه أو لغيره .
انظر : "تحفة الأحوذي" ( 4 / 430 )
.
وكذلك الحكم في كل من يطلب الربا لنفسه أو لغيره ويتسبب في وقوعه .
وقد سبق في موقعنا العديد من الإجابات التي فيها صور من تحريم الإعانة على أكل
الربا ، انظر منها جواب السؤال رقم (
33709 ) .
المسألة الثانية :
أن الربا من الكسب المحرم بوصفه وليس بذاته ، وما حرم لكسبه فإن إثمه على كاسبه فقط
، وليس على من تعامل مع كاسبه بالبيع والشراء أو الإهداء أو الضيافة إثم ، ودليل
ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود في المدينة بالبيع والشراء وكان
يؤاكلهم ، وهم الذين وصفهم الله تعالى بأكل الربا وأخذهم أموال الناس بالباطل .
وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا في العديد من الإجابات ، انظر منها :
( 39661 ) و (
85419 ) .
وبناء على ذلك ، فلا حرج من شراء المسكن من الشركة ، وإن كانت قد بنته بقرض ربوي ،
لأن إثم ذلك يقع على من اتفق مع البنك على القرض الربوي أو أعان على ذلك أو رضي به،
أما الموظف الذي سيشتري المسكن من الشركة فلا إثم عليه ، فهذا شبيه بتعامل النبي
صلى الله عليه وسلم مع اليهود ، وهم أكلة الربا ، كما سبق .
والله أعلم