اقبل الهدية ولو كانت متواضعة
إذا أهدى إلي شخص هدية ولم تعجبني ، فهل يجوز أن أردها له وأقول إنها لم تعجبني ، وإنها من نوعية أرخص مما نهديه عادة له ؟ علماً بأنه موسر ، ويمكنه أن يشتري هدية أغلى كثيرا من الهدية التي أهداها .
الجواب
الحمد لله.
الحمد للَّه
التواضع من أحسن الخلال ، وأكرم الخصال ، وهو خلق الأنبياء والمرسلين ، وشيمة
الأولياء والصالحين ، وذلك بلين الجانب للناس ، وخفض الجناح لهم ، والنزول عند
حاجاتهم ورغباتهم .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخْلاَقًا ، المُوَطَّؤُونَ
أَكنَافًا ، الذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ ، وَلاَ خَيرَ فِي مَن لاَ يَألَفُ
وَلاَ يُؤلَفُ )
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/268) وحسنه
الألباني في "السلسلة الصحيحة" (751)
ومن أعظم سمات المتواضعين قبول الهدية مهما كان قدرها ، وعدم النظر إلى قيمتها
وقدرة من أهدى على شراء أفضل منها ، بل ينبغي النظر إليها بعين الرضا والامتنان ،
واستشعار أن الهدية الحقيقية هي المحبة الباعثة عليها وليست في قيمتها .
وهذا سيد البشر ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، على
عظم قدره ، وجلالة شأنه ، كان يقبل الهدية ولو كانت كراعا أو شربة لبن .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لَو دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبتُ ، وَلَو أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ
) رواه البخاري (5178)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/245-246) :
" الكراع : هو مستدق الساق من الرِّجْلِ ، ومن حد الرسغ من اليد ، وهو من البقر
والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير ، وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب ،
وقال ابن فارس : كراع كل شيء طرفه ...
وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ، وتواضعه ، وجبره لقلوب الناس ،
وعلى قبول الهدية ، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ، ولو علم أن الذي يدعوه إليه
شيء قليل ، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر ،
وقبول الهدية كذلك " انتهى .
وقال العيني رحمه الله "عمدة القاري" ( 13 / 128 ) :
" وقال ابن بطال : أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالكراع والفرسن إلى الحض على
قبول الهدية ولو قلَّت ؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى إليه "
انتهى .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقبَلُ الهَدِيَّةَ
وَيُثِيبُ عَلَيهَا ) رواه البخاري (2585)
بل كان قبول الهدية إحدى علامات نبوته لدى أهل الكتب السابقة ، حتى عرفه بها سلمان
الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه ، كما
في "مسند" الإمام أحمد (5/441) ،
وسبق ذكر القصة في موقعنا في جواب السؤال رقم (88651)
وقد أهدت أم الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم شربة لبن فقبلها .
كما في البخاري (1658) ومسلم (1123)
، وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله .
رواه البخاري (2572) ومسلم (1953)
، ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي صلى الله عليه وسلم فيها هدايا الناس ولو
صغرت .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
( يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ
فِرْسِنَ شَاةٍ ) رواه البخاري (2566) ومسلم
(1030)
فرسن الشاة : حافرها.
قال ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/445) :
" وقال الكرماني : يحتمل أن يكون النهي للمعطية ، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها .
قلت ( أي ابن حجر ) : ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله (
لجارتها ) بمعنى مِن ، ولا يمتنع حمله على المعنيين " انتهى .
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن رد الهدية :
فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا
الْمُسْلِمِينَ )
رواه أحمد في "المسند" (1/404) وحسنه محققو
المسند ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6/59)
يقول ابن حبان في "روضة العقلاء" (242) :
" زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين ،
فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها ، ثم يثيب عليها إذا
قدر ، ويشكر عنها " انتهى .
فعليك أخي السائل الكريم أن تقبل الهدية ، ولا تنظر إلى قيمتها وقدرة المهدي على
شراء أفضل منها ، فقد يكون غفل عن شراء أفضل منها أو ضاق عليه الوقت أو لم يوفق في
الاختيار أو غير ذلك من الأعذار التي هي من شأنه ، وليس من شأنك أن تبحث عنها ،
واقتد في ذلك بنبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك من محاسن الأخلاق ومكارم
الشيم .
والله أعلم .