يعاني من مشكلة نفسية : الخوف من الزواج
أريد الزواج .. أريد زوجة صالحة نعيش معاً في سعادة ورضى
وطمأنينة .. نعيش في حب وصفاء وتناصح .. نقوم من الليل معاً وأسكن إليها وتأنس
بي .. أنا شاب أعيش في رهبة وخوف كبيرين من الزواج والزوجة .. أعيش في خجل
وحياء .. لي فترة أريد الزوج ولكن أستحي من البوح به لوالدي مع أنهما يلحان
كثيراً .. ومن داخلي أصرخ أريد الزواج .. أشعر أنني جعلت الحياء والخجل
والوساوس بشأن قدرتي الجنسية حاجزاً بيني وبين الزواج حتى أهرب منه .. نعم أنا
أحب الزواج ، ولكنني لا أدري لماذا أهرب منه هل هو لخوفي وخجلي أم لعدم الثقة
بنفسي وأن الفشل يقف بيني وبين ما أريد .. أعيش في بعض حالاتي ترددا كبيرا
وخاصة عند الشراء أو البيع .. أعيش في أسرة محافظة .. وقليلاً ما تتكلم أسرتي
في أمور الجنس ولا حتى من بعيد .. مع أنني أسمع أقاربي كيف يمازحون أبناءهم في
أمور الجنس وكيف أن أبناءهم واثقون ويتحدثون بطلاقة ليس في أمور الجنس فحسب بل
في أمور الزواج .. بلغ بي الخوف من الفشل أنني ذهبت لعيادة الذكورة لقياس العضو
وكفاءته .. وتحليل الهرمونات .. وغيرها .. لا أدري هل هو الخوف أم الرغبة في
البعد عن الزواج .. حتى أن بعض التحاليل والفحوصات أدخلت الشكوك في نفسي بشكل
كبير .. ومع ذلك فأنا أشعر بداخلي بأن ليس الفحوصات السبب في بعدي عن الزواج بل
هو الخوف منه .. إذا عقدت العزم على محادثة أهلي بالزواج أشعر برهبة وخوف ..
والحق أنني كنت أعيش في سابق عهدي على إستحالة زواجي وخزنت في داخلي أنني
مستحيل أن أتزوج .. وسأبقى هكذا .. حتى إن من يحادثني متى تتزوج أرد فوراً " في
الجنة " .. أشعر والله أن مايسمى بالعقل الباطن خزن ما كنت أردده .. أريد
الزواج .. والله إنني أريد الزواج .. ولكن هذا الخوف أو المخاوف من المرأة
والفشل وعدم تصور أنني في يوم من الأيام يمكن لي الزواج وعدم تصور أنني أمارس
الجنس مع أنثى وعدم تصور أنني أنام وأسافر مع امرأة .. كل هذا يقف حاجزاً بيني
وبين الزواج .. تشجعت قبل فترة وكلمت أهلي وخطبوا لي فتاة .. وتمت الموافقة
وبقي أن أذهب لرؤيتها فتملكني الخوف الشديد .. وقلت لأهلي لا أريد الفتاة هذه
.. عمري الآن قفز الثلاثين سنة .. وأنا أقف عاجزاً وإن كان الأمل موجوداً ..
أقف مترددا وإن كانت الهمة تواقة .. أقف متخوفاً وإن كان اليقين يغلب أحياناً
.. لقد تأثرت نفسيتي بهذا .. وزرت أطباء نفسانيين أشكو اكتئابي .. وقلقي ..
وكلهم يصرف لي حبوب ويقول استعملها .. لا يشعرون بما أشعر به .. إلا آخرهم
استمر معي حتى وضع يده على أساس المشكلة وهو الخوف من المرأة والزواج والفشل
والجنس .. أرجوكم أرشدوني .. فأنا بحاجة لنصحكم وتوجيهكم .. أريد كسر هذا
الحاجز بيني وبين الزواج .. يعلم الله أن الكلمة تؤثر في نفسي سواء السلب أم
الإيجاب .. أريد من يأخذ بيدي ويعبر بي إلى حيث الراحة والأنس والطمأنينة
الزوجية .
الجواب
الحمد لله.
ثق تمام الثقة - أخي الكريم – أننا نعيش معك هذه المشكلة ونشعر بك وبآلامك ،
وأن أي مسلم في الدنيا هو أخ لنا ، مصابه مصاب لنا ، ومشاعرنا معه في فرحه إن
فرح ، وفي حزنه إن حزن ، ونتألم لألمه ، ونحاول أن نضع الحلول بين يديك ، من
باب المشاركة لك في هذا الألم حتى تتخلص منه عاجلاً بإذن الله تعالى .
أخي الكريم ، اعلم – رعاك الله - أنك لست الوحيد في الدنيا الذي يعيش مشكلة
ويعاني هماً وكآبة ، فأنت في هذه الآونة تعيش ابتلاءً من الله لك ، وهذا البلاء
يتطلب منك بعض الأمور لتستفيد منه وتخرج من بلائك بمنافع جليلة وكثيرة ، ومن
هذه الأمور :
أولاً : حسن الظن بالله تعالى ، وأنه ما قدر عليك هذا القدر إلا لحكمة عظيمة
بالغة يعلمها سبحانه ، وأنه يريد بك الخير مادمت مستقيماً على أمره ، مستمسكاً
بهديه ، ممتثلاً أمره ومحاذراً الوقوع في حدوده ومحارمه ، فلا تدري لعل هذا
البلاء جاءك ليدفع الله به عنك ما هو أشد وأبلى ، ولعل الله دفع عنك به بعض
كبائر الذنوب والمهلكات من حيث لا تشعر ، فأحسن ظنك بربك ومولاك لعله يخرجك من
بلائك ، كما تخرج الشعرة من العجين .
ثانيا : إن البلاء يحتاج إلى الصبر والاحتساب ، وقد امتدح الله الصابرين في
كتابه ورتب لهم الأجر الذي لا يساويه أجر ، فقال سبحانه : ( إِنَّمَا يُوَفَّى
الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ )
الزمر/10
وامتدحه النبي صلى الله عليه وسلم ، وامتدح أهله الذين يتخلقون به ، فقال ـ في
المتفق عليه ـ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " ...... وَمَنْ
يَتَصبَّر يُصبِّرْه الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خيراً
وَأَوْسَع مِن الصَّبْر " رواه البخاري
( 1400 ) ومسلم ( 1053 ) .
فعليك بالصبر فهو عدتك في البلاء وزادك في الرخاء .
ثالثاً : يقول أهل الطب : " التشخيص ثلثا العلاج " ، ومن خلال الشرح الذي ذكرتَ
في سؤالك عن حالتك يتبين أن ابتلاءك ليس بدنيّاً عضويّاً ، وليس نفسيّاً مما
يعالج مثله عند الأطباء النفسيين ، بقدر ما هو وسواس قهري ، يتملكك ، في جانب
خطير من حياتك . فالوسواس مرض خطير ، إذا تمكن من العبد فيمكن أن يودي به إلى
المهالك وربما أخرج بعض الناس من ملة الإسلام ، نسأل الله العفو والعافية ،
ولكن ولله الحمد فوسواسك لا يتعلق بعقيدتك وأصول دينك ولا في العبادات وأركان
الإسلام ، وإنما يتعلق بترددك في الزواج والبيع والشراء كما ذكرت ، وهذا الأمر
وإن كان في نفسك عظيماً ، إلا أنه صغير إذا ما قارنته بوسواس غيرك ممن يتردد في
الطهارة ؛ فربما اغتسل بعضهم مرات عديدة ، وبعدها لا يكون مطمئناً أنه على
طهارة ، وربما توضأ أكثر من عشر مرات ولا يطمئن أنه على وضوء ، وربما أدرك
بعضهم تكبيرة الإحرام خلف الإمام وتذهب منه الركعة الأولى وهو يحاول أن يأتي
بتكبيرة الإحرام ، ثم يكمل صلاته وهو لا يعلم أتى بها أم لا ، والحمد لله أن لا
شيء من ذلك عندك .
لذا فاعلم أن علاجك بإذن الله في الخطوات التالية :
1. أن تعلم أن الوسواس من الشيطان ، بل إن الله سمى الشيطان بـ ( الوَسواس ) في
سورة الناس كما هو معلوم ، وهذا يتطلب منك أن تشن على الشيطان حرباً شديدةً مع
العلم أنه هو الذي بدأها معك ، وهو الذي اعتدى عليك وقيدك وأراد سلب حقوقك ،
فلا تولّه ظهرك ، ولا تريه ضعفك ، فهو الضعيف ، وهو المهزوم ، وهو الخناس ،
فتشجع وكن واثقاً من التغلب عليه ما دمت مع الله ، قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا
بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78
.
2. أن تكثر من قراءة سورة البقرة ، وأن تختمها كل ثلاث ليال ، وإن كان في قيام
الليل فهو أفضل ، فقد ثبت عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله : ( اقْرَءُوا
الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ
اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا
تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا
غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ
عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ
وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ )
رواه مسلم ( 804 )
" فِرقان " : جماعتان أو قطيعان ، " تُحاجان " : تدفعان ، " البَطَلَة " :
السَّحَرَة .
فالشياطين لا تقدر على سماع سورة البقرة وتفر منها وتضعف أمام قارئها وتخافه ،
وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ
يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ )
رواه مسلم ( 780 ) .
3. أن تحافظ على الأذكار الخاصة بالمناسبات ، كأذكار الصباح والمساء ، وأذكار
النوم ، ودخول المسجد والمنزل والخلاء والخروج منها ، وأذكار الطعام والشراب
واللباس وما شابه ذلك ، ففي كل منها نفع عظيم لك وقطع لطريق الشيطان إليك .
4. أن تكثر من الدعاء ، بل أن تلح على ربك ومولاك بالدعاء أن يفرج عنك وأن
يخرجك من محنتك ، وتحين لذلك أوقات الإجابة ، وخصص للدعاء وقتاً في كل ليلة في
ثلث الليل الآخر ، وفي الساعة الأخيرة من نهار يوم الجمعة ، وأدبار الصلوات
المكتوبة ، وادعُ لكل مبتلى فإن الملائكة تؤمن على دعائك وتقول ولك بمثل ،
وأكثر من الإستغفار والتوبة إلى الله فإن الله وعد المستغفر بخير عظيم ، فقال
سبحانه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً .
يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ
وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً )
نوح/10 – 12 .
5. لا بد لك مع ذلك كله أن تبذل وسعك في دفع الوسواس ، وأن تعالج نفسك بأن تقنع
نفسك أنك طبيعي ولا مشكلة عندك وأن تدفع كل ما يأتيك من من الأفكار التي تضعفك
، وأن تعلم أن هذا كله مصدره شيء واحد هو الوسواس والتغلب عليه سهل بإذن الله
تعالى .
06 استعن بالله ـ أيها الأخ الكريم ـ وأقدم على الزواج ، واستعن بأهلك
والمخلصين من أصدقائك على إمضاء ذلك ، ولقد علمنا ـ عيانا ـ بعض من أصيب بما
أصبت به ، وكانت حاله مثل حالك تماما ، أو أشد ، ثم استكرهه بعض إخوانه ومحبيه
على الزواج ، وحملوه على ذلك حملا ، بعد ما تأكدوا أنه لا يعاني مشكلة عضوية ،
ثم إن الله تعالى وفقه في ذلك ، وشرح صدره ، واستقام له أمر زواجه كغيره من
الناس .
07 لا بأس أن تستشير بعض الأخصائيين النفسيين ، وتستعمل بعض العلاجات النفسية
المساعدة في هذا الشأن ؛ فإن الوسواس هو ـ أيضا ـ مرض نفسي معروف لدى المختصين
، فلا بأس من الجمع بين العلاج الذي أشرنا عليك به ، والعلاج النفسي .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، وأن يعجل فرجك وفرحك ، إنه سميع
قريب
والله أعلم