الحمد لله.
أولا :
قد أباح الله عز وجل للرجل أن يتزوج بواحدة واثنتين إلى أربع ، يجمع بينهن ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلا تَعُولُوا ) النساء/3 .
وإذا تزوج الرجل بثانية ، ثم مات ، اشتركت الزوجتان في إرثه ، لا مزية لواحدة على الأخرى ، وتدخلان في قوله تعالى : ( وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ) النساء/12 .
هذا حكم الله تعالى ، وهو أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين ، وعلى كل مؤمن ومؤمنة أن يسلم وينقاد ويذعن ، وألا يكون في نفسه حرج ولا ضيق من حكم الله تعالى وما شرعه ، كما قال سبحانه : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
والنصيحة للوالدة الكريمة أن تتقي الله تعالى ، وأن ترضى بما قسم سبحانه ، وأن توقن بأن حكم الله تعالى هو العدل والرحمة والخير والهدى ( وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ) المائدة/50 .
وأن تحذر أشد الحذر من الاعتراض على حكم الله أو الرفض له أو وجود الحرج والضيق النفسي منه ، فإن ذلك عظيم الخطر .
ولا يدري الإنسان أيكون وارثا أو موروثا ، فلم التعلق بالدنيا والركون إليها مع خسارة الدين بالاعتراض وعدم الرضى بما قسم الله ؟
ثانيا :
الممتلكات التي وجدت خلال فترة الزواج الأول ، على نوعين :
الأول : ما انتقلت ملكيته من الزوج إلى الزوجة بهبة أو لكونه جزءا من صداقها أو غير ذلك ، فهذا صار ملكا للزوجة ، ولا يدخل في تركة الزوج إن مات . ومثاله : أن يهب الزوج لزوجته بيتا أو ذهبا أو أثاثا . أو أن يكون الذهب أو الأثاث جزءا من المهر ، كما هو العرف في بعض البلدان .
الثاني : ما كان ملكا للزوج واستمرت ملكيته له حتى مات ، فهذا يدخل في تركته ، ويوزع على جميع ورثته حسب أنصبائهم . ومثاله : أن يكون للزوج عقارات أو نقود ، ملكها قبل زواجه الأول ، أو بعده ، أو بعد زواجه الثاني ، ولم يُخرجه من ملكه بهبة ونحوها ، فهذا يدخل في تركته بعد موته .
ولعل ما ذكره الشيخ المشار إليه ينطبق على أثاث البيت ونحوه ، مما تعارف الناس في بعض البلدان على أنه من مهر الزوجة ، فيكون ملكا لها ، ولا يدخل في تركة الزوج .
وكذلك مؤخر الصداق (المهر) للزوجة أن تأخذه من التركة قبل قسمتها ؛ لأنه في حكم الديْن .
وبعض الأزواج يهبون الزوجة الأولى بعض المال أو العقار ليكون ملكا لها ، وهذا إن كان قبل الزواج الثاني فلا حرج فيه ، وإن كان بعده فلا يجوز إلا أن يعطي الأخرى مثلها ، وقد سئلت اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء : لي زوجتان ، وأريد أن اشتري ذهباً لإحداهما على سبيل الهدية . فهل يجوز لي ذلك ؟ أم يكون هذا من عدم العدل بين الزوجات . مع العلم أنني غير مقصر في حقوق الزوجة الأخرى .
فأجابت : " من كان له زوجتان فأكثر فإنه يجب عليه أن يعدل بينهن ، ولا يحل له أن يخص إحدى زوجاته بشيء دون الأخرى من النفقة والسكنى والمبيت ، وقد جاء الوعيد الشديد فيمن كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه ساقط ) . وفي رواية : ( يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" (2/295 ، 347 ، 471) وأخرج النسائي وابن ماجة في سننهما نحوه .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) أخرجه أبو داود في سننه (2/601) ، وأخرج الترمذي في "الجامع" نحوه .
وفي هذه الأدلة دليل على توكيد وجوب العدل بين الضرائر ، وأنه يحرم ميل الزوج لإحداهن ميلاً يكون معه بخسٌ لحق الأخرى دون ميل القلوب ، فإن ميل القلب لا يملك ؛ ولذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسوي في القَسْم بين نسائه ويقول : ( اللهم هذا قَسْمي فيما أملك ، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك ) (يعني المحبة القلبية) .
وعلى ذلك لا يحل لهذا الزوج أن يخص زوجته بشيء مما يملكه دون الأخرى ، فإذا وهب لإحدى زوجاته داراً ونحوها وجب عليه أن يسوي بين زوجاته في ذلك ، فيعطي كل واحدة مثل ذلك أو قيمته ، إلا أن تسمح الزوجة الثانية في ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/189).
والله أعلم .