الحمد لله.
أولاً :
نحن نأسف جدا لتلاعب المسلمين بعقد الزواج الذي سماه الله تعالى "ميثاقا غليظا" إلى هذا الحد .
ونتعجب من هذه الجرأة على محارم الله .
فهذا المحامي والزوج والشهود هل يرضى واحد من هؤلاء لابنته أو أخته أن تتزوج بهذه الطريقة ، وبدون علمه أو موافقته .
لا نظن أن أحدا عنده شيء من الرجولة أو الشهامة يرضى ذلك لابنته أو أخته ، فلماذا رضوا ذلك لبنات الناس .
ثم هؤلاء الشهود ، على أي شيء شهدوا ، والزوجة لم تحضر ، ولم يسمعوا منها أو من وليها أنها موافقة على هذا الزواج ، ولا يحل للشاهد أن يشهد إلا على ما يعلمه ، أما مجرد الثقة في المحامي أو غيره فلا تجيز لهم الشهادة على شيء لا يعلمونه .
ثانياً :
عقد النكاح بهذه الكيفية لا يصح ، لأنه لا يصح للمرأة أن تزوج نفسها ، بل يشترط حضور وليها وموافقته ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ) رواه الترمذي (1101) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1893) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ، فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ) رواه الترمذي (1102) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1840).
وقولكم إن الزواج تم على مذهب أبي حنيفة ، هذا لا يغير من الحكم شيئا ، فإنه لا قول لأحد مع قول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وقد حكم الرسول صلى الله عليه وسلم كما علمت بأن المرأة لا تزوج نفسها ، وأن التي تزوج نفسها فنكاحها باطل .
وللشيخ أحمد شاكر رحمه الله كلام نفيس جدا في هذه المسألة فيقول :
"الذي لا يشك فيه أحد من أهل العلم بالحديث ـ أن حديث ( لا نكاح إلا بولي ) : حديث صحيح ، ثابت بأسانيد تكاد تبلغ مبلغ التواتر المعنوي الموجب للقطع بمعناه ، وهو قول الكافة من أهل العلم ، الذي يؤيده الفقه في القرآن ، ولم يخالف في ذلك ـ فيما نعلم ـ إلا فقهاء الحنفية ومن تابعهم وقلدهم ، وقد كان لمتقدميهم بعض العذر ، لعله لم يصل إليهم إذ ذاك بإسناد صحيح ، أما متأخروهم ، فقد ركبوا رؤوسهم وجرفتهم العصبية ، فأخذوا يذهبون كل مذهب في تضعيف الروايات أو تأويلها ، دون حجة أو دون إنصاف .
وها نحن أولاء ـ في كثير من بلاد الإسلام ، التي أخذت بمذهب الحنفية في هذه المسألة ـ ترى آثار تدمير ما أخذوا به للأخلاق والآداب والأعراض ، مما جعل أكثر أنكحة النساء اللاتي ينكحن دون أوليائهن ، أو على الرغم منهم ـ أنكحة باطلة شرعا ، تضيع معها الأنساب الصحيحة .
وأنا أهيب بعلماء الإسلام وزعمائه ، في كل بلد وكل قطر ، أن يعيدوا النظر في هذه المسألة الخطيرة ، وأن يرجعوا إلى ما أمر الله به ورسوله ، من شرط الولي المرشد في النكاح ، حتى نتفادى كثيرا من الأخطار الخلقية والأدبية ، التي يتعرض لها النساء ، بجهلهن وتهورهن ، وباصطناعهن الحرية الكاذبة ، وباتباعهن للأهواء ، وخاصة الطبقة المنهارة منهم ، طبقة المتعلمات ، مما يملأ القلب أسفا وحزنا ، هدانا الله لشرعه الإسلام ووقانا سوء المنقلب " انتهى .
"مختصر تفسير ابن كثير" (1/286) .
وعلى هذا ، فهذا النكاح الذي بينكما لا يصح ، والطريقة إلى تصحيحه أن يعاد النكاح مرة أخرى بحضور وليك والشهود .
ونسأل الله تعالى أن يصلح أحوالكما .
والله أعلم .