أعمل في جهة حكومية ، وقمت بعمل أوفر عليهم كثيراً من المال ، ولكنهم لا يعطوني مكافأة جيدة مقابل لذلك . مع أنهم قد يدفعون مبلغاً كبيراً إذا كان هذا العمل من جهة خارجية أخرى . فاقترح علي أحد المسؤولين إحضار فاتورة بتكلفة هذا العمل بحيث يبدو كأن العمل تم من خلال جهة خارجية وبهذا آخذ حقي ، فهل هذا المال حلال أو حرام ؟ ولماذا ؟
الحمد لله.
هذا المال حرام عليك لا يحل لك أخذه ، لأن العمل الذي قمت به لا يخلو من أحد الاحتمالات الآتية:
الأول :
أن يكون جزءاً من عملك الذي وظفت له وتأخذ في مقابله راتبك الشهري فيجب عليك الوفاء بالعقد والقيام بالعمل في مقابل الراتب الذي تتقاضاه، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ) المائدة/1 ، وفي هذه الحالة لا تستحق شيئاً زائدا على الراتب ، لأنها الأجرة المتعاقد عليها ، وإن كان هذا العمل قد وَفَّر على الدولة أموالاً كثيرة كما ذكرت.
الثانية:
أن يكون هذا العمل خارجاً عن مهام وظيفتك لكن الدولة تجعل لمن قام به مكافأة معلومة فإذا قمت به جاز لك أن تأخذ تلك المكافأة ولا يجوز التحايل لأخذ زيادة عليها لأن الدولة لم ترض بهذا الزيادة، والله يقول: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ) النساء/29 .
فإما أن تعمل هذا العمل في مقابل تلك المكافأة وإما أن تترك.
وهناك حالتان قد تكونان بعيدتين عن الواقع، ولكننا نذكرهما تتميماً للجواب على افتراض وقوعهما وهما
الثالثة:
أن يكون هذا العمل خارجاً عن مهام وظيفتك ولم تجعل الدولة مكافأة معلومة لمن قام به ولم تطلب منك القيام به، وفي هذه الحالة لا شيء لك إذا قمت بذلك العمل ، وإن وفر على الدولة الشيء الكثير ، لأنها لم ترض بأن تلتزم لك بشيء، قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : " من عمل لغيره عملاً بغير جُعلٍ –أي عوض- لم يستحق عوضاً لا نعلم في هذا خلافاً " . اهـ بتصرف يسير. (6/22) .
الرابعة :
مثل سابقتها إلا أن الدولة قد أذنت لك في ذلك العمل وكنت معروفاً بأنك تعمل ذلك بأجرة فإذا عملته في هذه الحالة فإن لك أجرة مثلك، فلك أن تطالب الدولة بأجرة تساوي أجرة أمثالك ممن يقومون بهذا العلم، قال العلامة الرحيباني من فقهاء الحنابلة في " كتابه مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى" : " وإن عمل شخص لأخذ أجرة على عمله كالملاح والخياط والكيال والوزان وشبههم ممن يرصد نفسه للتكسب بالعمل وأذن له المعمول له في العمل فله أجرة المثل لدلالة العرف على ذلك " اهـ (4/212) .
وعلى افتراض وقوع هذه الحالة الأخيرة فليس لك اللجوء إلى الكذب للوصول إلى حقك ما دام يمكنك الوصول إليه بغير كذب.
وأخيراً: ننبه إلى أن تواطؤ المسؤول عنك معك على التحايل لأخذ شيء من أموال الدولة حرام ولا يصير به ذلك المال حلالاً والوصية لك بأن تتقي الله تعالى وتحرص على الحلال وسيضع الله عز وجل فيه البركة، وما سبق أن أُخذ من الأموال بغير حق يجب رده فإن تعذر رده صرف في مصالح المسلمين وجهات الخير، فقد سئل العلامة ابن باز رحمه الله تعالى عمن أخذ مالاً لا يستحقه فأجاب: " الواجب عليك رده لأنك لا تستحقه لعدم قيامك بالانتداب، فإن لم يتيسر ذلك وجب صرفه في بعض جهات الخير كالصدقة على الفقراء والمساهمة به في بعض المشاريع الخيرية مع التوبة والاستغفار والحذر من العودة إلى مثل ذلك " انتهى من فتاوى علماء البلد الحرام صـ 831.
والله أعلم.