الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

من الذي نقض صلح الحديبية؟!

126253

تاريخ النشر : 31-08-2009

المشاهدات : 163447

السؤال

سؤالي عن صلح الحديبية ، من الذي نقض العهد في هذا الصلح ؟ لأنه دار بيني وبين أحد النصارى نقاش حول ذلك ، فقال إن الذي نقض العهد هم المسلمون ، حيث يقول إن المسلمين كانوا على تعاهد مع القبائل الوثنية آنذاك ، وأن قريشا أتت لحرب بعض هؤلاء القبائل فقام المسلمون بمساعدة هؤلاء القبائل ، فخرقوا بذلك المعاهدة التي كانت بينهم وبين قريش ، فهل هذا صحيح ؟

الجواب

الحمد لله.

ملخص ما حدث : أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج في شهر ذي القعدة من السنة السادسة من الهجرة ومعه ألف وأربعمائة ، متوجهًا إلى مكة يريد العمرة ، فلما كان بذي الحُلَيفة ـ ميقات أهل المدينة ـ قَلَّد الهَدْي وأشْعره ، وأحرم بالعمرة ، وبعث عينًا له من خُزاعة يخبره عن قريش ، فلما كان بعُسْفان أتاه عينه وأخبره أن قريشًا قد جمعوا له جموعًا ، وأنهم مقاتلوه وصادوه عن البيت .

وسار النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت راحلته ، فقال الناس : خلأت القصواء ، خلأت القصواء [ أي : حرنت وأبت السير ] ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما خلأت القصواء، وما ذاك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ) ثم قال : ( والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا عطيتهم إياها ) ثم زجرها فوثبت به ، فعدل بها حتى نزل بأقصى الحديبية على حوض قليل الماء ، فلم يلبث الناس أن نزحوه ، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فتمضمض في ماء ومج فيه ، وألقى فيه سهمًا من كنانته ، فلم يزل يجيش لهم بالرِّي حتى صدروا عنه .

وفزعت قريش لنزوله عليهم ، فأحب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبعث إليهم رجلاً من أصحابه ، فدعا عثمان بن عفان ، فأرسله إلى قريش ، وقال : ( أخبرهم أنا لم نأتِ لقتال ، وإنما جئنا عمّارًا ، وادعهم إلى الإسلام ) ، وأمره أن يأتي رجالاً بمكة مؤمنين ونساء مؤمنات ، فيدخل عليهم ويبشرهم بالفتح ، ويخبرهم أن الله عز وجل مظهر دينه بمكة حتى لا يستخفى فيها بالإيمان ، فانطلق عثمان ، فمر على قريش ، فبلّغ الرسالة ، وقد أجاره أحد بني عمه ، وحمله على فرس حتى دخل مكة .

ثم إنه بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عثمان قد قتل ، فدعا إلى البيعة على أن لا يفروا ، وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيد نفسه وقال : ( هذه عن عثمان ) ، ولما تمت البيعة رجع عثمان إلى المسلمين .

وسارت الرسل بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين لأجل الصلح ، حتى جاء سهيل بن عمرو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سهل لكم من أمركم .

ثم عرض سهيل الشروط التي تريدها قريش ، وهي ::

. - وضع الحرب بين المسلمين وقريش عشر سنوات

. - من جاء المسلمين من قريش يردّونه، ومن جاء قريشًا من المسلمين لا يلزمون بردّه

- أن يرجع النبي صلى الله عليه وسلم من غير عمرة هذا العام ، ثم يأتي العام المقبل فيدخلها بأصحابه بعد أن تخرج منها قريش ، فيقيم بها ثلاثة أيام ليس مع أصحابه من السلاح إلا السيف في القراب والقوس .

- من أراد أن يدخل في عهد محمد من غير قريش دخل فيه ، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش دخل فيه .

ودخلت قبيلة خُزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ودخل بنو بكر في عهد قريش.

وقد كانت الحروب والعداوات بين خزاعة – التي دخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وبين بني بكر – التي دخلت في عهد قريش - منذ غابر الأزمان , فأضحت كل واحدة في أمن من الأخرى , ولكن حصل غدر من بني بكر , فخرج نوفل بن معاوية في جماعة معه في شهر شعبان للسنة الثامنة من الهجرة فأغاروا على خزاعة ليلاً , وهم على ماء يقال له الوتير , فأصابوا منهم رجالاً , وتناوشوا واقتتلوا , وأعانت قريش بني بكر بالسلاح , بل وقاتل رجال منهم مع بني بكر مستترين بظلمة الليل , حتى حازوا خزاعة إلى الحرم ، فقالت بنو بكر : يا نوفل إنا قد دخلنا الحرم ، إلهك ! إلهك ! فقال : لا إله اليوم ، يا بني بكر أصيبوا ثأركم , فلعمري إنكم لتسرقون في الحرم , أفلا تصيبون ثأركم فيه ؟!

وانطلق عمرو بن سالم الخزاعي إلى رسول الله  في المدينة مستغيثًا ومستنجدًا فقال له عليه السلام : ( نصرت يا عمرو بن سالم ) .

وسرعان ما أحست قريش بخطئها وغدرها , فخافت من عواقبه الوخيمة , فبعثت قائدها أبا سفيان ليجدد الصلح , لكنه لم يفلح , فعاد أدراجه إلى مكة .

ثم تجهز النبي صلى الله عليه وسلم وأمر الصحابة بالجهاز , وأعلمهم أنه سائر إلى مكة , ثم تم بعد ذلك الفتح ، ودخل الناس في دين الله أفواجا .

والشاهد من هذا كله : أن قريشا لما أعانت بني بكر بالسلاح ، وقاتلت معهم خزاعة التي كانت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان ذلك نقضا للصلح الذي أبرمته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحديبية . وقد علمت قريش ذلك ، ومن ثَمّ جاء أبو سفيان ليجدد الصلح مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان من واجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينصر المتحالفين معه من خزاعة ، كما أن قريشا نصرت ، بل وحاربت مع حلفائها من بني بكر .

فهم الغادرون الناقضون العهد ، وأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فأبعد خلق الله عن تلك النقيصة ، وهذه سيرته ، وهذه سنته حاضرة بين أيدينا لمن أراد أن يعرف ذلك عنه .

راجع :

- تفسير الطبري (22/239-250)

- تفسير ابن كثير (7/344-360)

- صحيح البخاري (2734)

- سنن أبي داود (2765)

- مسند الإمام أحمد (18449)

- فتح الباري (5/334-350)

- البداية والنهاية (4/317-325)

- سيرة ابن هشام (2/389-397)

- عيون الأثر (2/181-190)

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب