الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

الأسباب الواردة في هبة سودة ليلتها لعائشة وبيان الراجح منها

127828

تاريخ النشر : 07-06-2009

المشاهدات : 107734

السؤال

ذُكر أن النبي صلى الله عليه عرض على " سودة بنت زمعة " الطلاق عندما كبرت في العمر ، ولكنها رفضت ، ومن ثَمَّ أعطت يومها لعائشة رضي الله عنها . يبدو لي أن هذا الفعل على إطلاقه هكذا لا يمكن أن يكون صدر من النبي صلى الله عليه وسلم ؛ إذ أنه لا بد من أن يكون هناك خلفية لهذه القصة ، وهو الأمر الذي أريد أن تشرحوه لي .

الجواب

الحمد لله.

ثبت في الصحيحين أن أم المؤمنين " سودة بنت زمعة " رضي الله عنها وهبت ليلتها لعائشة رضي الله ، وهذا المقدار لا شك فيه من حيث الثبوت ، ولكن ما هو سبب هذا الفعل من أم المؤمنين سودة رضي الله ؟ جاء ذلك على وجوه متعددة :

1. قيل : إن ذلك كان بعد تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لها .

2. وقيل : إنه صلى الله عليه وسلم همَّ بتطليقها .

3. وقيل : إنها ظنَّت أنه سيطلقها ، ولذا تنازلت عن ليلتها لعائشة ؛ لتبقى في عصمته صلى الله عليه وسلم في الدنيا ، وتكون زوجة له في الآخرة ، فقبل منها ذلك صلى الله عليه وسلم .

4. وقيل : إنها أرادات بتلك الهبة رضا رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كانت تعلم محبته لعائشة رضي الله عنها ، وهذان السببان هما أصح ما ورد من الأسباب لذلك الفعل منها رضي الله عنها .

أ. أما ما ورد أنها رضي الله عنها وهبت ليلتها لعائشة بعد أن طلقها النبي صلى الله عليه وسلم : فهي رواية ضعيفة .

قال ابن الملقِّن – رحمه الله - :

وَهَذِه رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث هِشَام عَن أَبِيه : " أَنه عَلَيْهِ السَّلَام طلَّق سودةَ ، فلمَّا خرج إِلَى الصَّلَاة أمسكتْهُ بِثَوْبِهِ ، فقالتْ : مَا لي فِي الرِّجال حَاجَة ، وَلَكِنِّي أُرِيد أَن أُحْشَرَ فِي أَزوَاجك ، قَالَ : فراجَعَهَا ، وَجعل يَوْمهَا لعَائِشَة ، فَكَانَ يِقَسْم لَهَا بيومها ، وَيَوْم سَوْدَة " .

وَهَذَا مَعَ إرْسَاله : فِيهِ أَحْمد العطاردي ، وَهُوَ مِمَّن اخْتلف فِيهِ ، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ : لَا بَأْس بِهِ ، وَقَالَ ابْن عدي : رَأَيْتهمْ مُجْمِعِينَ عَلَى ضعفه ، وَقَالَ مُطيَّن : كَانَ يكذب .

" البدر المنير " ( 8 / 48 ) .

وكذبه رحمه الله ليس في الحديث ، وإلا كان حديثه موضوعاً ، وقد بيَّنه الإمام الذهبي رحمه الله فقال إنه كذب في لهجته ، لا في روايته .

قال رحمه الله :

قُلْت : يَعنِي فِي لَهْجَتِهِ ، لاَ أَنَّه يَكْذِبُ في الحَديثِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يُوجَد مِنهُ ، وَلاَ تَفَرَّدَ بِشَيْءٍ ، وَمِمَّا يُقَوِّي أَنَّهُ صَدوقٌ فِي بَابِ الرِّوَايَةِ : أَنَّه رَوَى أَوْرَاقاً مِنَ " المَغَازِي " بِنُزُولٍ ، عَن أَبِيهِ ، عَن يُونُسَ بنِ بُكَيْرٍ ، وَقَد أَثنَى عَلَيهِ الخَطِيبُ ، وَقَوَّاهُ ، وَاحتَجَّ بِهِ البَيْهَقِيُّ فِي تَصَانِيْفِهِ .

" سير أعلام النبلاء " ( 25 / 55 ) .

وثمة رواية أخرى نحوها قال عنها الحافظ ابن كثير في "  التفسير " ( 2 / 427 ) : غريب ، مرسل .

ب. وأما القول بأن سودة وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنهما لما همّ النبي صلى الله عليه وسلم بطلاق سودة : فلم نره في حديث ، بل كان فهماً من بعض المفسرين، والعلماء ، ومن ذلك:

قال الماوردي – رحمه الله – في بيان سبب نزول قوله تعالى : ( وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً ) - :

أحدهما : أنها نزلت في رسول الله صلى الله عليه وسلم حين همَّ بطلاق سودة بنت زمعة ، فجعلت يومها لعائشة على ألا يطلقها ، فنزلت هذه الآية فيها ، وهذا قول السدِّي .

" تفسير الماوردى " ( 1 / 533 ) .

ج. وأما ما ورد أنها رضي الله عنها خشيت من تطليق النبي صلى الله عليه وسلم لها فقد ثبت في أحاديث صحيحة :

عَنْ عروة بن الزبير قَالَ : قَالَتْ عَائِشَةُ : وَلَقَدْ قَالَتْ سَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ حِينَ أَسَنَّتْ ، وَفَرِقَتْ أَنْ يُفَارِقَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ يَوْمِي لِعَائِشَةَ ، فَقَبِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا ، قَالَتْ : نَقُولُ : فِي ذَلِكَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي أَشْبَاهِهَا - أُرَاهُ قَالَ - : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً ) .

رواه أبو داود ( 2135 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .

وعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : خَشِيَتْ سَوْدَةُ أَنْ يُطَلِّقَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : " لَا تُطَلِّقْنِي ، وَأَمْسِكْنِي ، وَاجْعَلْ يَوْمِي لِعَائِشَةَ ، فَفَعَلَ ، فَنَزَلَتْ : ( فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) .

رواه الترمذي ( 3040 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .

د. وأما ما ورد أن سودة وهبت ليلتها لعائشة رضي الله عنها ساعية لرضا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ثبت ـ أيضا ـ عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : " غَيْرَ أَنَّ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا وَلَيْلَتَهَا ، لِعَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم تَبْتَغِى بِذَلِكَ رِضَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم " رواه البخاري ( 2453 ) .

هذه الآثار واضحة من كلام عائشة رضي الله عنها أن " سودة " إنما خافت أن يطلقها النبي صلى الله عليه وسلم بسبب كبر سنِّها ، وليس أنه باشر طلاقها فعلاً ، وما ورد أنه فعل ذلك : مرسل ضعيف لا يصح ، ولم يرد أنه همَّ بطلاقها لأجل كبر سنِّها .

وأمر آخر : أن النبي صلى الله عليه لم يتزوجها أصلاً من أجل صغر سنِّها ، ولا من أجل الشهوة ، فقد كانت كبيرةً في السنِّ حين تزوجها ، وكل نسائه لمَّا تزوجهن كنَّ ثيبات ، وذوات أولاد ، إلا عائشة رضي الله عنها ، فلم يكن نبينا صلى الله عليه وسلم صاحب شهوة يبحث عن أبكار وصغيرات ليتزوجهن ، ثم إن كبرن طلَّقهن ، وكل من علم شيئا من سيرته وحاله : قطع بذلك ، ونزهه عن إفك الأفاكين .

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ : ( إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا فَظُنُّوا بِهِ الَّذِي هُوَ أَهْنَاهُ وَأَهْدَاهُ وَأَتْقَاهُ ) .

رواه ابن ماجة في مقدمة سننه (20) ، وقال البوصيري : "هذا إسناد صحيح ، ورجاله محتج بهم في الصحيحين". انتهى . "مصباح الزجاجة" (1/47) .

وروي ذلك ـ أيضا ـ عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه .

قال السندي رحمه الله : " أَيْ الَّذِي هُوَ أَوْفَق بِهِ مِنْ غَيْره ، وَأَهْدَى وَأَلْيَق بِكَمَالِ هُدَاهُ ، وَأَتْقَاهُ : أَيْ وَأَنْسَب بِكَمَالِ تَقْوَاهُ " انتهى .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب