الحمد لله.
إذا مات الإنسان انقطع عمله ، وتوقفت حسناته التي يستحقها على أعماله ، إلا بسبب أعمال معينة بينها النبي صلى الله عليه وسلم ، كالصدقة الجارية ، أو العلم النافع الذي تركه ، أو دعاء الولد الصالح له .
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثَةٍ : إِلا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ ) رواه مسلم (1631) .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) رواه ابن ماجه (242) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه.
وقد جمعها السيوطي رحمها الله ونظمها بقوله :
إِذَا مَاتَ اِبْن آدَم لَيْسَ يَجْرِي عَلَيْهِ مِنْ فِعَال غَيْر عَشْر
عُلُوم بَثَّهَا وَدُعَاء نَجْل وَغَرْس النَّخْل وَالصَّدَقَات تَجْرِي
وِرَاثَة مُصْحَف وَرِبَاط ثَغْر وَحَفْر الْبِئْر أَوْ إِجْرَاء نَهَر
وَبَيْت لِلْغَرِيبِ بَنَاهُ يَأْوِي إِلَيْهِ أَوْ بَنَاهُ مَحَلّ ذِكْر
وَتَعْلِيم لِقُرْآنٍ كَرِيم فَخُذْهَا مِنْ أَحَادِيث بِحَصْرٍ
فهذه أعمال يمتد نفعها وثوابها ولو مات الإنسان .
وإذا عمل الابن عملا صالحا ، وكان أبوه هو الذي دله عليه وعلّمه إياه ، فإن الأب يؤجر على ذلك ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنْ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) ـ رواه مسلم (2674) ـ ، ثم هذا ـ أيضا ـ داخل في قوله صلى الله عليه وسلم : ( عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ) ، ولهذا قال أهل العلم : إن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ مثل أجور أمته ؛ لأنه هو الذي دلهم على الخير وأرشدهم إليه .
وبهذا يتضح أن كون الإنسان من أبيه أو من سعيه ، لا يعني أن الأب يؤجر على كل عمل صالح يفعله الابن ، بل يؤجر على ما كان سببا فيه ، لتعليمه لابنه ودلالته عليه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" النبي صلى الله عليه وسلم لم يجعل للأب مثل عمل جميع ابنه ، ولا نعلم دليلا على ذلك ، وإنما جعل ما يدعوه الابن له من عمله الذي لا ينقطع ، بخلاف الداعي إلى هدى ، كان له مثل أجر المدعو ، وهذا الفرق ظاهر ، وهو أن الداعي إلى هدى أراد إرادة جازمة فعل ذلك الهدى بحسب قدرته ، وهو لم يقدر إلا على الأمر به والدعاء إليه ، ومن أراد عملا إرادة جازمة ، وعمل منه ما يقدر عليه : كان بمنزلة العامل له " . انتهى .
وقال أيضا :
" لم يثبت أن كل عمل يعمله الولد يكون لأمه أو أبيه مثل أجره ، وإنما قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ... ) ، وفي الحديث الآخر : ( إن الرجل إذا قرأ القرآن فإنه يكسى والداه من حلل الجنة ) ، ويقال : ( بأخذ ولدكما القرآن ) ، ونحو ذلك مما فيه أن الوالد يحصل له نفع وثواب بعمل ولده ، لكن لا يجب أن يكون مثله ... ، بخلاف الداعي إلى الخير ، كنبينا صلى الله عيله وسلم ، فإن له مثل أعمال أمته التي دعاهم إليها ؛ فأجر المعلم الداعي للخير مثل أجر المدعو العامل ، بخلاف الوالد والولد ، ولهذا حق النبي صلى الله عليه وسلم ، وخلفائه في دعوته ، على المدعويين والمعلَّمين : أعظم من حقوق الآباء .. " انتهى . "جامع المسائل" لابن تيمية (4/266، 273) .
وينبغي للابن أن يكثر من الدعاء لوالده ، وأن يتصدق عنه إن استطاع ، وله أن يقف عليه وقفا فيكون صدقة جارية له ، والجزاء من جنس العمل ، فلعله باجتهاده في إلحاق النفع بوالده ، يهيء الله له من ولده من يسعى لنفعه بعد وفاته .
والله أعلم .
تعليق