الحمد لله.
هذا الحديث (حديث السفياني) من الأحاديث التي تناقلها الناس في السنوات الأخيرة، وحاول بعض الناس تفسيره بما يوافق ما يمر به المسلمون من أزمات وحروب، إلا أنه حديث ضعيف لا يصح.
- قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله:
” منكر: أخرجه الحاكم في “المستدرك” (4/520) من طريق محمد بن إسماعيل بن أبي سمينة: ثنا الوليد بن مسلم: ثنا الأوزاعي، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً.
وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
قلت – أي الشيخ الألباني -: وفيه نظر من ناحيتين:
- الأولى: أن ابن أبي سمينة لم يخرج له مسلم.
- والأخرى: عنعنة الوليد بن مسلم، فإنه كان يدلس تدليس التسوية، وهو أن يسقط شيخ شيخه، أي: شيخ الأوزاعي، فقد جاء في ترجمته: عن الهيثم بن خارجة قال: قلت للوليد بن مسلم: قد أفسدت حديث الأوزاعي ! قال: وكيف؟ قلت: تروي عنه عن نافع، وعنه عن الزهري، وعنه عن يحيى – يعني: ابن كثير – وغيرك يدخل بين الأوزاعي ونافع: عبدَ الله بن عامر الأسلمي، وبينه وبين الزهري: قرة، فما يحملك على هذا؟ فقال: أُنبِّلُ الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء ! قلت: فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء المناكير – وهم ضعفاء – فأسقطتهم أنت، وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الأثبات، ضعف الأوزاعي ! فلم يلتفت إلي قولي!
ذكره العلائي في “المراسيل” (ص 118)، والحافظ في “التهذيب” ومن قبله الذهبي في “السير” (9/215)، ومن قبله المزي في ” تهذيبه” (31/97)، ومن قبلهم ابن عساكر في “التاريخ” (17/906). وذكروا نحوه عن الإمام الدارقطني.
وإذا عرفت هذا، وأن الوليد كان يدلس تدليس التسوية أيضاً، فمن الغريب أن لا يفصح الذهبي في كتبه عن ذلك ! ومنها: ” السير “، فقال فيه: ثقة حافظ، لكنه رديء الحفظ، فإذا قال: حدثنا، فهو حجة “. ومثله قوله في ” الكاشف “: “… وكان مدلساً، فيتقى من حديثه ما قال فيه: (عن) “. ولعله يعني ذلك في كل سلسلة إسناده، أعني: كما عنعن هنا بين الأوزاعي وشيخه يحيى، وبين هذا و (أبي سلمة)، ويحتج به، إذا صرح بالتحديث مكان العنعنة. هذا التأويل محتمل يساعد عليه ما تقدم، لكني رأيته قد أفصح بخلافه، فقال في “المغني”: ” فإذا قال: حدثنا الأوزاعي، فهو حجة “! وهذا تقصير منه بلا شك، فالصواب وصفه بالنوعين من (تدليس السماع)، وهو ما صرح به الحافظ في “التقريب” و ” مقدمة الفتح”، فقال فيه (450): ” عابوا عليه كثرة التدليس، والتسوية… وقد احتجوا به في حديثه عن الأوزاعي، و..و..”. لكن في هذا الإطلاق المتعلق باحتجاج الشيخين به نظر، فقد قال الذهبي عقب رواية الهيثم المتقدمة وغيرها: قلت: البخاري ومسلم قد احتجا به، ولكنهما ينتقيان حديثه، ويتجنبان ما ينكر له “.
قلت: ولعل حديثنا هذا من قبيل ما تجنباه لنكارته، ولما فيه من العنعنة، ولذلك فقد وهم الذهبي – فضلاً عن الحاكم – في تصحيحه على شرطهما، لما علمت من ترجمة ابن أبي سمينة، ولأنه ليس فيه تحديث الأوزاعي فمن فوقه.
يضاف إلى ذلك: يحيى بن أبي كثير مدلس أيضاً عن شيوخه، معروف بذلك، كما في “مراسيل العلائي” وغيره.
والخسف المذكور في آخر الحديث قد صح من حديث حفصة رضي الله عنها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ليؤمَّنَّ هذا البيت جيش يغزونه، حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض، يخسف بأوسطهم، وينادي أولُهم آخرهم، ثم يخسف بهم، فلا يبقى إلا الشريد الذي يخبر عنهم رواه مسلم وغيره، وهو مخرج في “الصحيحة” (1924 و 2432) ” انتهى. ” السلسلة الضعيفة ” (6520).
- وقد ضعف هذا الحديث – بل وجميع أحاديث السفياني كذلك – الدكتور الطريفي حفظه الله، في ملتقى أهل الحديث.
- وكذلك الدكتور حاتم العوني حفظه الله:
- وقال الشيخ حمود التويجري رحمه الله:
” لم يجئ في خروجه – يعني السفياني – حديث صحيح يعتمد عليه ” انتهى.
” إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشراط الساعة ” (1/63).
- وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
” حديث السفياني أخرجه الحاكم في مستدركه، وقال: حديث صحيح الإسناد، ولكن الحاكم – رحمه الله – معروف بالتساهل بالتصحيح” انتهى. ” مجموع فتاوى ابن عثيمين ” (2/62).
يمكنك متابعة المزيد من خلال هذه الأجوبة: (118597، 78329، 34618، 71201، 171131، 8806، 297706).
والله أعلم.
تعليق