الحمد لله.
أولا :
إذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يتزوج عليها ، فهذا شرط صحيح يلزم الوفاء به ، فإن تزوج عليها كان لها حق الفسخ .
لما
روى البخاري ( 2721 ) ومسلم ( 1418 ) أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قال : (أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ
الْفُرُوجَ) .
ولقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ ،
إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا ، أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا) رواه الترمذي (1352)
وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وهذا الشرط لا يحرم حلالا ، وإنما يقيد سلطة الرجل ، ويجعل للزوجة الحق في الفسخ .
وقد وقع في زمن الصحابة رضي الله عنهم اشتراط مثل ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "ولأن رجلا زَوَّج امرأة بشرط أن لا يتزوج عليها , فرفع ذلك إلى عمر , فقال : مقاطع الحقوق عند الشروط" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/ 124) .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " وجملة ذلك أن الشروط في النكاح تنقسم أقساما ثلاثة ,
أحدها : ما يلزم الوفاء به , وهو ما يعود إليها نفعه وفائدته , مثل أن يشترط لها أن
لا يخرجها من دارها أو بلدها أو لا يسافر بها , أو لا يتزوج عليها , ولا يتسرى
عليها , فهذا يلزمه الوفاء لها به , فإن لم يفعل فلها فسخ النكاح . يروى هذا عن عمر
بن الخطاب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص , ومعاوية وعمرو بن العاص رضي الله عنهم
وبه قال شريح , وعمر بن عبد العزيز , وجابر بن زيد , وطاوس , والأوزاعي , وإسحاق .
وأبطل هذه الشروط الزهري , وقتادة وهشام بن عروة ومالك , والليث , والثوري ,
والشافعي , وابن المنذر , وأصحاب الرأي " انتهى من "المغني" (9/ 483).
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل تزوج بامرأة وشرطت عليه أن لا يتزوج
عليها ولا ينقلها من منزلها , وأن تكون عند أمها , فدخل على ذلك , فهل يلزمه الوفاء
وإذا خالف هذه الشروط , فهل للزوجة الفسخ أم لا ؟
فأجاب : "نعم ، تصح هذه الشروط وما في معناها في مذهب الإمام أحمد وغيره من الصحابة والتابعين ; كعمر بن الخطاب , وعمرو بن العاص , وشريح القاضي , والأوزاعي , وإسحاق . ومذهب مالك إذا شرط لها إذا تزوج عليها أو تسرى أن يكون أمرها بيدها , أو رأيها ونحو ذلك صح هذا الشرط أيضا , وملكت المرأة الفرقة به , وهو في المعنى نحو مذهب أحمد , وذلك لما خرجاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ) . وقال عمر بن الخطاب : (مقاطع الحقوق عند الشروط) , فجعل النبي صلى الله عليه وسلم ما تستحل به الفروج التي هي من الشروط أحق بالوفاء من غيرها" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/ 90) .
ثانيا :
إنما تعتبر هذه الشروط إذا تم الاتفاق عليها عند عقد النكاح ، وأما إذا وقعت بعد العقد ، كانت وعدا ، لا يعطي الزوجة حق الفسخ ، لكن يجب على الزوج أن يفي بوعده ؛ لعموم الأدلة الآمرة بالوفاء بالوعد ، كقوله تعالى : (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) الإسراء/34 ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : اصدقوا إذا حدثتم ، وأوفوا إذا وعدتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، واحفظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم) رواه أحمد (22251) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم (1018) ، ولأن إخلاف الوعد من صفات المنافقين .
وينظر جواب السؤال رقم (30861)
والله أعلم .
تعليق