الثلاثاء 9 رمضان 1445 - 19 مارس 2024
العربية

حكم صلاة الجمعة داخل الكنيسة وفيها صور أو تماثيل

السؤال

أنا طبيب أعمل بالمملكة المتحدة ، ونحن كأطباء مسلمين عادة ما نكون بالعمل في وقت صلاة الجمعة ، وغالبا ما يقوم الأطباء بالمملكة المتحدة بأداء صلاة الجمعة في غرف صغيرة تكون إما غرف مخصصة لجميع الأديان ( حيث يمكن لأناس من جميع الأديان أن يؤدوا صلواتهم ، وغالبا ما يوجد أصنام في هذه الغرف ، ويتم تغطيتها أثناء صلاة الجمعة ) ، أو يقوم الأطباء المسلمون بأداء الصلاة في غرف مخصصة لصلاة المسلمين .
وفى المستشفى الخاص بي يوجد مصلى خاص للمسلمين حيث نصلى فيه بانتظام ، على الأقل الصلوات النهارية ؛ لكن بما أن هذه الغرفة صغيرة فإننا نصلى الجمعة في جانب من الكنيسة حتى تتسع للعدد الكبير من الأطباء الذين يحضرون صلاة الجمعة .
وسؤالي هو: هل تصح صلاة الجمعة في مثل هذه الأماكن التي سبق ذكرها ؟

الجواب

الحمد لله.


تجوز الصلاة داخل الكنيسة إذا لم يكن بها صور أو تماثيل .
وقد بوب البخاري في صحيحه : بَاب الصَّلَاةِ فِي الْبِيعَةِ وَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِنَّا لَا نَدْخُلُ كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي فِيهَا الصُّوَرُ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي الْبِيعَةِ إِلَّا بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيلُ.
قال ابن حجر رحمه الله : " قَوْله : ( بَاب الصَّلَاة فِي الْبِيعَة ) بِكَسْرِ الْمُوَحَّدَة بَعْدهَا مُثَنَّاة تَحْتَانِيَّة : مَعْبَد لِلنَّصَارَى . قَالَ صَاحِب الْمُحْكَم , الْبِيعَة صَوْمَعَة الرَّاهِب . وَقِيلَ كَنِيسَة النَّصَارَى ، وَالثَّانِي هُوَ الْمُعْتَمَد . وَيَدْخُل فِي حُكْم الْبِيعَة : الْكَنِيسَة وَبَيْت الْمِدْرَاس وَالصَّوْمَعَة وَبَيْت الصَّنَم وَبَيْت النَّار وَنَحْو ذَلِكَ " انتهى .
 

فإن كان فيها صور أو تماثيل ، فقد اختلف الفقهاء في حكم الصلاة حينئذ ، فذهب بعضهم إلى التحريم، وذهب جمهورهم إلى الكراهة ، ومستند التحريم عموم الأدلة الدالة على تحريم الصور واتخاذها ، ولأن وجود هذه الصور تمنع دخول الملائكة .
وقد روى البخاري (3225) ومسلم (2106) عن أبي طَلْحَة أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ ) .
وروى الترمذي (2806) وأبو داود (4158) عن أَبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَتَانِي جِبْرِيلُ فَقَالَ إِنِّي كُنْتُ أَتَيْتُكَ الْبَارِحَةَ فَلَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ أَكُونَ دَخَلْتُ عَلَيْكَ الْبَيْتَ الَّذِي كُنْتَ فِيهِ إِلَّا أَنَّهُ كَانَ فِي بَابِ الْبَيْتِ تِمْثَالُ الرِّجَالِ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ قِرَامُ سِتْرٍ فِيهِ تَمَاثِيلُ وَكَانَ فِي الْبَيْتِ كَلْبٌ فَمُرْ بِرَأْسِ التِّمْثَالِ الَّذِي بِالْبَابِ فَلْيُقْطَعْ فَلْيُصَيَّرْ كَهَيْئَةِ الشَّجَرَةِ وَمُرْ بِالسِّتْرِ فَلْيُقْطَعْ وَيُجْعَلْ مِنْهُ وِسَادَتَيْنِ مُنْتَبَذَتَيْنِ يُوطَآَنِ وَمُرْ بِالْكَلْبِ فَيُخْرَجْ فَفَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ ذَلِكَ الْكَلْبُ جَرْوًا لِلْحَسَنِ أَوْ الْحُسَيْنِ تَحْتَ نَضَدٍ لَهُ فَأَمَرَ بِهِ فَأُخْرِجَ ). والحديث صححه الألباني في صحيح الجامع برقم 68
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا بأس بالصلاة في الكنيسة النظيفة , رخص فيها الحسن وعمر بن عبد العزيز والشعبي والأوزاعي وسعيد بن عبد العزيز ، وروي أيضا عن عمر وأبي موسى , وكره ابن عباس ومالك الكنائس ; من أجل الصور . ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة وفيها صور , ثم هي داخلة في قوله عليه السلام : ( فأينما أدركتك الصلاة فصل , فإنه مسجد ) " انتهى من "المغني" (1/ 407).
وممن ذهب إلى تحريم الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها صور : شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد سئل رحمه الله : " هل الصلاة في البيع والكنائس جائزة مع وجود الصور أم لا ؟ وهل يقال إنها بيوت الله أم لا؟
فأجاب : ليست بيوت الله ، وإنما بيوت الله المساجد ، بل هي بيوت يكفر فيها بالله ، وإن كان قد يذكر فيها ؛ فالبيوت بمنزلة أهلها ، وأهلها كفار ، فهي بيوت عبادة الكفار .
وأما الصلاة فيها ففيها ثلاثة أقوال للعلماء ، في مذهب أحمد وغيره : المنع مطلقاً؛ وهو قول مالك.
والإذن مطلقاً ، وهو قول بعض أصحاب أحمد .
والثالث : وهو الصحيح المأثور عن عمر ابن الخطاب وغيره ، وهو منصوص عن أحمد وغيره : أنه إن كان فيها صور لم يصلّ فيها ؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل الكعبة حتى محي ما فيها من الصور ، وكذلك قال عمر : إنا كنا لا ندخل كنائسهم والصور فيها.
وهي بمنزلة المسجد المبني على القبر ، ففي الصحيحين أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة بأرض الحبشة، وما فيها من الحسن والتصاوير، فقال : ( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً، وصوروا فيه تلك التصاوير، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة ) [البخاري (427) ومسلم (528)] ، وأما إذا لم يكن فيها صور فقد صلى الصحابة في الكنيسة ، والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (2/ 59) .
 

وتحريم الصلاة في الكنيسة لا يستلزم بطلانها ، بل تصح الصلاة مع الإثم ، لأن المنع من الصلاة فيها ليس لأمر يتعلق بالصلاة ، بل لأجل ما فيها من التصاوير ، كما سبق ؛ فسبب النهي مختلف عن الصلاة وما يتعلق بها .
وقد أفتتت اللجنة الدائمة والشيخ ابن عثيمين رحمه الله بكراهة الصلاة في المحل الذي فيه تصاوير ، وبصحة الصلاة إن وقعت .
ففي "فتاوى اللجنة الدائمة" (5/ 377) [المجموعة الثانية] : " ما حكم الصلاة في بيت- غرفة- فيها صور أو تماثيل للزينة وهي للحيوان والإنسان؟
الجواب : يحرم اقتناء الصور والتماثيل وجعلها في البيوت ، لقوله صلى الله عليه وسلم لعلي رضي الله عنه: ( لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبرا مشرفا إلا سويته ) ولقوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) وتكره الصلاة في غرفة فيها صور معلقة أو منصوبة ؛ خصوصا إذا كانت في قبلة المصلي ، والصلاة صحيحة .
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
بكر أبو زيد ... عبد العزيز آل الشيخ ... صالح الفوزان ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ... وأما الصلاة فصحيحة ، ولكن يكره الصلاة في المحل الذي فيه تصاوير ، إلا عند الحاجة ، أما إذا لم تيسر غيره فلا بأس " انتهى .
 

والحاصل :
1- أن الصلاة داخل الكنسية لا حرج فيها ، إذا خلت من التصاوير والتماثيل ، سواء كانت صلاة الجمعة أو غيرها .
2- أنه تكره الصلاة في الكنيسة إذا كان فيها تصاوير أو تماثيل ، فإن احتاج المسلمون للصلاة فيها لعدم وجود مكان آخر ، وستروا هذه التماثيل بما يخفيها ، فلا بأس ولا كراهة .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب