الجمعة 19 رمضان 1445 - 29 مارس 2024
العربية

تخصيص بعض الليالي بصلاة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال

عرفت مؤخراً أن هناك بعض الناس يصلون نوافل غير تلك التي تصلَّى خلال اليوم والليلة ، ومن ذلك الصلوات في العشر الأواخر من رمضان ، وليلة القدر ، وليلة الإسراء والمعراج ، وفي مولد النبي صلى الله عليه وسلم ، والصلاة التي تقرأ فيها سورة الإخلاص مرة واحدة ، والسورة الأخرى التي تقرأ بعد الفاتحة 100 مرة .

الجواب

الحمد لله.

الصلوات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها كل يوم وليلة معروفة ، فمنها : السنن الرواتب ، قبل الفرائض وبعدها ، وقيام الليل ، والوتر ، وصلاة الضحى .... وغيرها .

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص بعض الليالي بصلاة ولا اجتهاد في العبادة، إلا العشر الأواخر من رمضان ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بمزيد اجتهاد في قيام الليل ، فكان يطيل فيها الصلاة حتى كان يستوعب الليل كله أو أكثره بالصلاة ، ولم يكن صلى الله عليه وسلم يخص القراءة فيها بسور معينة من القرآن ، ولم يكرر فيها سورة الإخلاص ولا غيرها من السور ، فهذه هي السنة التي لا خلاف فيها ، فمن أراد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا هديه وسنته .

أما تخصيص بعض الليالي بالصلاة ، كليلة الإسراء والمعراج ، أو ليلة مولده صلى الله عليه وسلم ، فهذا ليس مشروعاً ، بل هو من البدع المحدثة ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تخصيص بعض الصلوات بقراءة سورة الإخلاص وتكرارها ، فهذا ليس مشروعاً .

قال الشاطبي رحمه الله :
" إذا اجتمع في النافلة أن يلتزم السنن الرواتب إما دائماً وإما في أوقات محدودة ، وأقيمت في الجماعة في المساجد التي تقام فيها الفرائض ، أو المواضع التي تقام فيها السنن الرواتب ، فذلك ابتداع ، والدليل عليه : أنه لم يأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ولا عن التابعين لهم بإحسان فعل هذا المجموع هكذا مجموعاً" انتهى من " الاعتصام " (ص/345-346) .

فهذا الشاطبي رحمه الله يجعل صلاة السنن الرواتب جماعة بدعةً من جملة البدع ، لأنه لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، مع أن صلاة السنة الرواتب ثابتة ثبوتاً قطعياً عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولكنه صلى الله عليه وسلم كان يصليها بمفرده ، ولم يكن يصليها جماعة ، فمن اخترع صلاة وحث على الاجتماع فيها كان أشد ابتداعاً ، وأكثر ابتعاداً عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم .

وقال ابن القيم رحمه الله :

" سُئِلَ شيخُ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله عن رجل قال : ليلةُ الإِسراء أفضلُ مِن ليلة القدر ، وقال آخر : بل ليلةُ القدر أفضلُ ، فَأَيُّهُما المصيبُ ؟

فأجاب : الحمدُ للَّهِ ، أما القائلُ بأن ليلة الإِسراء أفضلُ مِن ليلة القدر :

فإن أراد به أن تكونَ الليلةُ التي أسري فيها بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ونظائِرُها مِن كل عام أفضلَ لأمَّة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن ليلة القدر بحيث يكونُ قيامُها والدعاءُ فيها أفضلَ منه في ليلةِ القدر : فهذا باطل ، لم يقله أحدٌ من المسلمين ، وهو معلومُ الفساد بالاطِّراد من دين الإِسلام .
هذا إذا كانت ليلةُ الإِسراء تُعرف عينُها ، فكيف ولم يقمْ دليلٌ معلوم لا على شهرها ، ولا على عَشْرها ، ولا على عينِها ، بل النقولُ في ذلك منقطعةٌ مختلفة ، ليس فيها ما يُقطع به ، ولا شُرِعَ للمسلمين تخصيصُ الليلة التي يُظن أنها ليلة الإِسراء بقيام ولا غيره ، بخلاف ليلة القدر، ولا يُعرف عن أحد من المسلمين أنه جعل لليلة الإِسراءِ فضيلةً على غيرها ، لا سيما على ليلة القدر، ولا كان الصحابةُ والتابعون لهم بإحسان يقصدُون تخصيص ليلة الإِسراء بأمر من الأمورِ ، ولا يذكرونها ، ولهذا لا يُعرف أي ليلة كانت ، وإن كان الإِسراءُ مِن أعظم فضائله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ومع هذا فلم يُشرع تخصيصُ ذلك الزمانِ ، ولا ذلك المكانِ بعبادة شرعية ، ولا خصَّ اليومَ الذي أنزل فيه الوحي بعبادة ولا غيرِها ، ولا خصَّ المكانَ الذي ابتدئ فيه بالوحي ولا الزمانَ بشيء ، ومن خص الأمكنَة والأزمنَة من عنده بعبادات لأجل هذا وأمثاله كان مِن جنس أهل الكتاب الذين جعلوا زمانَ أحوال المسيح مواسمَ وعبادات ، كيوم الميلاد ، ويوم التعميد ، وغير ذلك من أحواله " انتهى باختصار من " زاد المعاد في هدي خير العباد " (1/56-58) .

وانظر لمزيد الفائدة جواب السؤال رقم : (60288 ) ، (105456 ) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب