الحمد لله.
أولاً:
ورد شرب بول النبي صلى الله عليه وسلم في حديثين لامرأتين :
الحديث الأول : في شرب " أم أيمن " لبول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث من طريق أبي مالك النخعي عن الأسود بن قيس عن نُبيح العَنَزي عن أُمِّ أَيْمَنَ قالت : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم مِنَ اللَّيْلِ إلى فَخَّارَةٍ في جَانِبِ الْبَيْتِ فَبَالَ فيها ، فَقُمْتُ مِنَ اللَّيْلِ وأنا عَطْشَانَةُ فَشَرِبْتُ ما فيها وأنا لا أَشْعُرُ فلما أَصْبَحَ النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يا أُمَّ أَيْمَنَ قَوْمِي فَأَهْرِيقِي ما في تِلْكَ الْفَخَّارَةِ ) قلت : قد وَالله شَرِبْتُ ما فيها ، قالت : فَضَحِكَ رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ثُمَّ قال ( أما إنك لا تَتَّجِعِينَ بَطْنَكِ أبدًا ) .
رواه الحاكم في " مستدركه " ( 4 / 70 ) وأبو نعيم في " الحلية " ( 2 / 67 ) والطبراني في " الكبير " ( 25 / 89 ، 90 ) .
وإسناد الحديث ضعيف ، فيه علتان : العلة الأولى : الانقطاع بين نبيح العنزي وأم أيمن ، والعلة الثانية : أبو مالك النخعي واسمه عبد الملك بن حسين ، وهو متفق على ضعفه ، قال عنه النسائي : متروك ، وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، وقال عمرو بن علي : ضعيف منكر الحديث .
انظر " الضعفاء والمتروكين " للنسائي و " الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم و " تهذيب التهذيب " لابن حجر .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - : " وأبو مالك ضعيف ، ونُبيح لم يلحق أم أيمن " انتهى من " التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير " ( 1 / 171 ) .
ورواه أبو مالك النخعي من طريق آخر عن يعلى بن عطاء عن الوليد بن عبد الرحمن عن أم أيمن .
قال الدارقطني – رحمه الله - : " وأبو مالك ضعيف ، والاضطراب فيه من جهته " انتهى من " العلل " للدارقطني " ( 15 / 415 ) .
الحديث الثاني : في شرب "
بَرَكة أم يوسف " لبول النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد جاء الحديث من طريق ابن
جُرَيْجٍ قال حَدَّثَتْنِي حُكَيْمَةُ بنتُ أُمَيْمَةَ بنتِ رُقَيْقَةَ عن أُمِّهَا
أنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يَبُولُ في قَدَحِ عِيدَانٍ ثُمَّ
يَرْفَعُ تَحْتَ سَرِيرِهِ فَبَالَ فيه ثُمَّ جاء فَأَرَادَهُ فإذا الْقَدَحُ ليس
فيه شَيْءٌ فقال لامْرَأَةٍ يُقَالُ لها " بَرَكَةُ " كانت تَخْدُمُ أُمَّ
حَبِيبَةَ جَاءَتْ بها من أَرْضِ الْحَبَشَةِ ( أَيْنَ الْبَوْلُ الذي كان في
الْقَدَحِ ؟ ) قالت : شَرِبَتُهُ ، فقال ( لَقَدِ احْتَظَرْتِ مِنَ النَّارِ
بِحِظَارٍ ) .
رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 7 / 67 ) والطبراني في " الكبير " ( 24 / 189 )
.
وهو حديث ضعيف ؛ لجهالة حُكيمة بنت أميمة .
قال الذهبي في " ميزان الاعتدال " ( 1 / 587 ) : " غير معروفة " انتهى .
وقال ابن حجر في " تقريب التهذيب " ( ص 745 ) : " حُكَيمة بنت أميمة لا تعرف "
انتهى .
ومع علة الجهالة فإن متن الحديث مضطرب اضطراباً كبيراً .
ثانياً:
أما حكم " بول النبي صلى الله عليه وسلم " : فالأصل فيه أنه كباقي بول البشر ، وليس
ثمة استثناء في كونه طاهراً ، وقد صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يستنجي بعد
انتهائه من بوله وقضاء حاجته ، ولم يصحَّ أن أحداً شرب بولَه صلى الله عليه وسلم ،
والأحاديث السابقة في هذا الباب ضعيفة كلها ، ولو صحَّ شيء منها ، لم يكن فيه حجة ،
لأن شرب البول قد وقع فيها مصادفة ، من غير تعمد لشربه .
والأصل في خَلْق النبي صلى الله عليه وسلم أنه كباقي البشر ؛ لقوله تعالى : ( قُلْ
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) الكهف/ 110 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : (
إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ فَإِذَا نَسِيتُ
فَذَكِّرُونِي ) رواه البخاري ( 392 ) ومسلم ( 572 ) " ولقوله : ( إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ،
فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا
بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ بِهَا
مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه مسلم ( 2603 ) .
إلا أن يَنصَّ هو على خلاف ذلك فيما أكرمه الله تعالى به وخصَّه به من دون الناس ،
كقوله فيما رواه البخاري ( 1096 ) ومسلم ( 738 ) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهَا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَيَّ
تَنَامَانِ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي ) ، وكما جاء عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله
عليه وسلم قال ( أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنِّي أَرَاكُمْ خَلْفَ ظَهْرِي ) رواه
البخاري ( 686 ) ومسلم ( 425 ) .
والله أعلم
تعليق