الحمد لله.
أولاً :
" البيت بوكس " هو فن يعتمد على إخراج صوت الطبول والإيقاع والأصوات الموسيقية باستخدام الفم وممر الأنف والحنجرة ، وفي بعض الأحيان يستخدم هؤلاء الفنانون أيديهم أو أي أجزاء أخرى من أجسادهم لتوسيع نطاق المؤثرات الصوتية والإيقاع .
وقد انتشر في الغرب منذ عشرات السنين ؛ وبدأت في الدخول للبلاد العربية ، والانتشار بها ، في السنوات الأخيرة .
ثانياً :
هذه الأصوات البشرية التي يتم إخراجها بطريقة تشبه أصوات الآلات الموسيقية : أصوات
محرمة ، يحرم إخراجها بهذه الطريقة كما يحرم سماعها .
ويدل على ذلك جملة من الأمور
:
الأول : أن المعازف التي وردت النصوص بتحريمها ، ليست محصورة في آلات معينة ، بل
التحريم شامل لكل ما يندرج تحت هذا اللفظ العام .
وأهل اللغة لم يحصروها في نوع معين ، بل أدخلوا فيها كل ما كان من " الملاهي " ،
فالمَعازف : " اسم يجمع العُود والطنبور ، وما أشبههما " كما في " جمهرة اللغة -
لابن دُرَيد " (1/452) .
وإذا كان تحريم المعازف لا يختص بآلة دون آلة ؛ فتحريم الآلة ليس لعينها ، بل لما ينتج عنها من اللهو المحرم ؛ فمتى صدر هذا اللهو المحرم من شيء آخر ، كان له حكم هذه الآلة ، ومتى فقدت الآلة هذه الخاصية ، لم يتعلق بها تحريم من هذا الوجه .
قال ابن عابدين رحمه الله : " آلَةَ اللَّهْوِ لَيْسَتْ مُحَرَّمَةً لِعَيْنِهَا ، بَلْ لِقَصْدِ اللَّهْوِ مِنْهَا ، إمَّا مِنْ سَامِعِهَا أَوْ مِنْ الْمُشْتَغِلِ بِهَا.. " انتهى من " حاشية ابن عابدين " (6/350) .
الثاني : أن الشرع لا يفرِّق
بين المتماثلات ، فلا يليق أن يُنسبَ إلى الشرع الحكيم أنه يُحرِّم صوتاً ، ثم يبيح
صوتاً آخر مماثلاً له .
وكما قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " فالشريعة لا تفرِّق بين متماثلين البتَّة ،
ولا تسوِّي بين مختلفين ، ولا تحرِّم شيئاً لمفسدة ، وتبيح ما مفسدته مساوية لما
حرَّمته ، ولا تبيح شيئاً لمصلحة ، وتحرِّم ما مصلحته مساوية لما أباحته البتة ،
ولا يوجد فيما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك البتة " انتهى من "
بدائع الفوائد " (3/663) .
وهذه الأصوات مماثلة لصوت الموسيقى ، حتى إن مهندسي الصوت أنفسهم ، ربما يجدون
صعوبة ، في بعض الأحيان ، في التمييز بين هذه الأصوات والموسيقى .
الثالث : أن العبرة بمآلات
الأمور ، وصوت الآدمي إذا غُيِّر فآل إلى الصوت الموسيقي ، فالعبرة بما آل إليه ،
لا بأصله ، كما لو غيِّر صوت رجل إلى صوت فتاة مراهقة أو بالغة .
فهذه الأصوات ، وإن كان أصلها مباحاً ، إلا أنها بعد التعديل تأخذ حكماً آخر ، ولو
كان بناء الأحكام على ماضيِّها وأصولها ؛ لقلنا بحل الخمر ؛ لأنها في ماضيها وأصلها
مأخوذة من العنب أو الزبيب المعلوم الحِلّ .
وقد ألمح ابن القيم رحمه الله إلى تلبيس الشيطان على الناس بمثل هذه الأمور فقال :
" ولما يئس الصياد [ يقصد الشيطان ] من المتعبدين أن يَسمع أحدهم شيئاً من الأصوات
المحرَّمة كالعود والطنبور والشبَّابة ، نظر إلى المعنى الحاصل بهذه الآلات فأدرجه
في ضمن الغناء وأخرجه في قالبه ، وحسنه لمن قلَّ فقهه ورقَّ علمه ، وإنما مراده
التدريج من شيء إلى شيء .
والعارفُ من نظر في الأسباب إلى غايتها ونتائجها ، وتأمل مقاصدها وما تؤول إليه " .
انتهى من " الكلام على مسألة السماع " (ص/167) ، ومعناه في " تلبيس إبليس - لابن
الجوزي " (ص /274) .
الرابع : أن الطَّرب الحاصل
بهذه الأصوات ، يماثل الطرب الحاصل بآلات الموسيقى ، فوجب إلحاقها بها .
وقد نص العلماء على تحريم بعض الأشياء لوجود الطرب فيها ، فذكر ابن حجر الهيتمي
رحمه الله أنه : " يمكن أن يستدل لتحريم الشبَّابة ، بالقياس على الآلات المحرمة ،
لاشتراكه في كونه مُطرِبا " انتهى من " كف الرعاع " (ص/160) .
وقد سئل الشيخ عبد الله بن
جبرين رحمه الله : ما حكم إخراج أصوات من الفم ، تشبه أصوات المعازف ؟
فقال : " نرى أنه يحرم ، لأنه يقوم مقام آلات اللهو ، وهي آلات محرمة تصد عن ذكر
الله ؛ وما قام مقامها فهو محرم " ، وقد سبق نقل هذا عنه في جواب السؤال : (1867)
.
ثالثاً :
وأما الأصوات البشرية التي لا تشبه صوت الآلات الموسيقية : فهي مباحة ، كما يباح
صوت خرير الماء ، أو صوت الرياح ، أو أصوات الحيوانات ، كصهيل الفرس وصوت العصافير،
أو صوت الآدمي ، من بكاء أو ضحك ، أو أصوات المدافع والقذائف ، أو أصوات السيارات ،
وسقوط الأشياء ، وكسر الزجاج ... الخ .
والله أعلم .
تعليق