الحمد لله.
دعوة الناس إلى الله تعالى وتعليمهم دينهم ، من أفضل الأعمال الصالحة ، والحسنات الجارية التي يقوم بها المسلم ، قال الله تعالى : (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فصلت/33 .
وللمسلم أن يتخذ من وسائل الدعوة إلى الله ما يناسب حال المدعويين بشرط أن تكون تلك الوسيلة مباحة . ولا يشترط في تلك الوسيلة أن يكون السلف قد مارسوها في دعوتهم إلى الله ؛ لأن تلك الوسائل تختلف وتتجدد من بلد إلى بلد ومن زمان إلى زمان .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين
رحمه الله : كثر الكلام في وسائل الدعوة من حيث كونها توقيفية أم لا ، فما القول
الفصل في هذه المسألة ؟
فأجاب :
" القول الفصل : أن وسائل الدعوة ليست توقيفية ، لكنه لا يمكن أن تكون الدعوة بشيء
محرم ، كما لو قال قائل : هؤلاء القوم لا يقبلون إلا إذا طلبتم الموسيقى أو
المزامير أو ما أشبه ذلك .. هذه محرمة ، وأما غير ذلك فكل وسيلة تؤدي إلى المقصود ،
فإنها مطلوبة " انتهى من " الفتاوى الثلاثية " للشيخ ابن عثيمين .
وسئل – أيضاً - رحمه الله : وقع الخلاف بين الدعاة إلى الله عز وجل في وسائل الدعوة ، فمنهم من يجعلها عبادة توقيفية ، وينكر على من يقيمون الأنشطة المتنوعة ، نرجو بيان الصواب في ذلك ؟
فأجاب رحمه الله : " لا شك
أن الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى عبادة ، كما أمر الله بها في قوله : ( ادْعُ
إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) .
والإنسان الداعي إلى الله يشعر ، وهو يدعو إلى الله عز وجل ، أنه ممتثل لأمر الله ،
متقرب إليه به .
ولا شك أيضاً أنّ أحسن ما يدعى به كتاب الله ، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
فإن كتاب الله سبحانه ، هو أعظم واعظ للبشرية : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ
جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى
وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ ) .
والنبي صلى الله عليه وسلم ، كذلك قوله أبلغ الأقوال موعظة ، فقد كان يعظ أصحابه
أحياناً بموعظة يصفونها بأنها وجلت منها القلوب ، وذرفت منها العيون .
فإذا تمكن الإنسان من أن تكون موعظته بهذه الوسيلة ، فلا شك أن هذا خير وسيلة ، وإذا رأى أن يضيف إلى ذلك وسائل مما أباحه الله ، فلا بأس بهذا ، ولكن بشرط أن تكون هذه الوسيلة لا تشتمل على شيء محرم من الكذب أو تمثيل دور الكافر مثلاً في التمثيليات ، أو تمثيل الصحابة رضي الله عنهم ..." انتهى من " الصحوة الإسلامية ضوابط وتوجيهات " (ص/81-83) .
وعليه ، فلا حرج في الخروج لتلك الرحلات الدعوية .
وأما القول بأن ذلك من فعل الخوارج ، فلا يصح ؛ لأن الخوارج إنما اعتزلوا الناس في زمن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ؛ لاعتقادهم أن الصحابة رضي الله عنهم ومعهم عموم المسلمين ظالمون ، ثم انتهى بهم الأمر إلى تكفيرهم وقتالهم .
جاء في " البداية والنهاية "
لابن كثير رحمه الله (10/ 578) : " اجْتَمَعَ الْخَوَارِجُ فِي مَنْزِلِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ الرَّاسِبِيِّ ، فَخَطَبَهُمْ خُطْبَةً بَلِيغَةً ،
زَهَّدَهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا ، وَرَغَّبَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَالْجَنَّةِ ،
وَحَثَّهُمْ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ ، ثُمَّ
قَالَ : فَاخْرُجُوا بِنَا إِخْوَانَنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ
أَهْلُهَا ، إِلَى جَانِبِ هَذَا السَّوَادِ إِلَى بَعْضِ كُوَرِ الْجِبَالِ ، أَوْ
بَعْضِ هَذِهِ الْمَدَائِنِ مُنْكِرِينَ لِهَذِهِ الْأَحْكَامِ الْجَائِرَةِ "
انتهى .
والذي يخرج في هذه الرحلات
لا يكفر المسلمين ولا يعتزلهم ، لأنه سيعود إليهم بعد انتهاء تلك الرحلة .
والله أعلم .
تعليق