الثلاثاء 7 شوّال 1445 - 16 ابريل 2024
العربية

الحكمة من اختلاف بعض الروايات

225967

تاريخ النشر : 22-04-2016

المشاهدات : 8645

السؤال


قرأت عندكم الجمع بين أحاديث خلود المنتحر ، ورحمة الله له بأن أهل الكبائر أمرهم إلى الله ، إن شاء عذبهم على قدر ذنبهم ثم يدخلهم الجنة ، أو يغفر لهم دون عذاب . سؤالي : إذًا لماذا لم يُنهِ رسولُنا الكريم صلى الله عليه وسلم هذه الإشكالية ، بدلا من إخبارنا أن المنتحر " مخلد " يبين لنا أن المنتحر أمره إلى الله ؟ أعني لماذا استخدم رسولنا الكريم لفظ مخلد ؟ وكذلك الحال في أحاديث بيع القطط ، والنهي عن بيعها ، لماذا هذا التعارض ؟ وكذلك حديث ( رجل وجد كلبا فسقاه الماء )، وفي رواية أخرى ( بغي ) ، ما سبب هذا التعارض . حسب علمي لا يوجد منسوخ في نص المنتحر ، والمرأة البغي مع الكلب ؟ أرجو منكم مساعدتي في دحض هذه الشبهات التي في داخلي ، وفرج الله عنكم .

الجواب

الحمد لله.

عن هذا السؤال هو الجواب ذاته عن الحكمة الإلهية في تنزيل النصوص المتشابهة ظاهريا ، سواء في ذلك نصوص الكتاب الكريم أم السنة النبوية .
وهي الحكمة ذاتها التي تستكمل حكمة الخلق كله ، في قول الله عز وجل : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/2.
ذلك أن الحياة الدنيا جبلت على سنة الابتلاء والاختبار ، في كل تفاصيلها اختبار ، وفي جميع شهواتها وملذاتها ومصاعبها وأفراحها وأحزانها : محنة متوازنة للإنسان ، فقد تميز الإنسان عن سائر الخلق بالروح والإرادة الحرة .
وقد اختار الله عز وجل أن تكون الشريعة الإسلامية أيضا جزءا من هذا " الابتلاء المعرفي ":
فأنزل فيها المحكمات والثوابت التي لا تشتبه على أحد ، ولا تحتمل التبديل والتغيير والتأويل ، سواء في أركان الإيمان ، أم أركان الإسلام ، أم مقاصد الشريعة ، ومقاطع الإجماع .
وأنزل أسباب الاجتهاد في بعض فروع الإسلام ، العلمية أو العملية ، كي يجتهد العلماء والفقهاء والمفسرون في البحث والنظر والتأمل ، وتتنوع آراؤهم وأقوالهم إثراء لهذا الدين ، وفسحة لأتباعه في كل زمان ومكان ، كي يتمكنوا من استخراج كنوزه وتفجير معارفه ، وليتمكنوا أيضا من تحكيمه بينهم ، واستنباط ما يناسب ظرفهم بقوانين الاجتهاد المنضبطة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الحكمة في تنوع القرآن إلى محكم ومتشابه : لو كان القرآن كله محكما : لفاتت الحكمة من الاختبار به تصديقا وعملا ؛ لظهور معناه ، وعدم المجال لتحريفه والتمسكِ بالمتشابه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله .
ولو كان كله متشابها : لفات كونه بيانا ، وهدى للناس ، ولما أمكن العمل به ، وبناء العقيدة السليمة عليه .
ولكن الله تعالى بحكمته جعل منه آيات محكمات ، يُرجع إليهن عند التشابه ، وأخر متشابهات ، امتحانا للعباد ، ليتبين صادق الإيمان ممن في قلبه زيغ ، فإن صادق الإيمان يعلم أن القرآن كله من عند الله تعالى ، وما كان من عند الله فهو حق ، ولا يمكن أن يكون فيه باطل ، أو تناقض لقوله تعالى : ( لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصلت/ 42.
وقوله تعالى : ( لَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً ) النساء/ 82.
وأما من في قلبه زيغ ، فيتخذ من المتشابه سبيلا إلى تحريف المحكم ، واتباع الهوى في التشكيك في الأخبار ، والاستكبار عن الأحكام ، ولهذا تجد كثيرا من المنحرفين في العقائد والأعمال، يحتجون على انحرافهم بهذه الآيات المتشابهة " انتهى من " أصول في التفسير " (ص: 45) .
ومن هذا التأصيل نفهم أن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ، فَهُوَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فِيهِ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا ) رواه البخاري (5778) ، ومسلم (109) صدر على وجه الابتلاء المعرفي ، تماما كما يقع الابتلاء في أوجه الحياة الأخرى ، في الصحة والمال والبدن وفي الطاعة والمعصية وفي كل تفاصيل الحياة ، ليخوض العلماء في تفسير هذا الحديث، فينال بعضهم الأجرين ، وينال آخرون أجرا واحدا لخطئهم في الاجتهاد ، ويصيب فريق ثالث من الإثم بسبب خوضهم بغير علم ولا هدى ، أو اتباعهم أهواءهم في الفهم والتفسير والتقرير ، بعيدا عن ضوابط العلم وقواعده .
ولا يقف وجه الحكمة عند هذه النتيجة فحسب ، فمثل هذه النصوص ستؤدي إلى ولادة قواعد العلوم الشرعية كلها ، ونشوء أصولها وقيام سوقها ؛ لأن البلوغ إلى فهم هذا النص أو تفسير تلك الكلمة لا بد أن يتم عبر آليات العلم وقواعده ، وحينئذ ينشأ في الإسلام العلماء والفقهاء ، ويبني كل منهم على ما أسسه من قبله ، ويبذل عمره وفهمه وعقله في سبيل التحرير والتطوير والتحقيق ، فتكتب المصنفات ، وتتنوع المدارس ، وينتشر طلاب العلم في الآفاق ، وتدور عجلة المعرفة في العالم الإسلامي ، وفي التاريخ كله ، فتكتب الأجور ، ويقع الابتلاء ، وتتحقق حكم لا يدرك مداها وغورها إلا الله سبحانه وتعالى .
وهذا لا يعني أن الله عز وجل قد ترك النص الشرعي موهما ملتبسا ، من غير علامات هدى ولا أمارات إرشاد ، وإلا لوقع الضلال في أكثر أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكننا في واقع الأمر نجد السواد الأعظم من هذه الأمة ، والتيار الأعم الأغلب من علمائها قد هدوا إلى طريق الحق والاستقامة ، ولم يتحرف عليهم الدين ، ولم تشتبه عليهم العقيدة ، وهذا من فضل الله عز وجل على أمتنا ، أن أصول الدين وثوابت الملة وأركان العقائد لم يقع فيها تبديل ولا تحريف على مستوى جسد الأمة الكبير ، وهذا أمر ظاهر للعيان ، وإنما دخل على الناس الشبهات بسبب ما يرونه من بعض الاختلافات ، لكن لو تأمل الجميع في المتفق عليه ، وفي أركان الإسلام والإيمان ، لوجدناها كلها محل اتفاق وإجماع والحمد لله .
فلفظ ( الخلود ) مثلا في الحديث الشريف تفسره عشرات النصوص التي تدل على أن الله يغفر كل ذنب ما عدا الشرك به سبحانه ، وأن نفرا يسيرا قتلوا أنفسهم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ومع ذلك لم يحكم عليهم بالكفر والردة ، وغسلوا وكفنوا وصلى عليهم الصحابة الكرام ؛ مما يعني أن معنى ( الخلود ) في الحديث الشريف ، هو: طول المكث ، وليس على وجه التأبيد .
ينظر في موقعنا الفتوى رقم : (69770) ، (70363) ، (163938) ، (181675) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" أما قول السائل : ما الحكمة في أنه لم يوجد فيه من الشارع نص يعصم من الوقوع في المهالك ، وقد كان حريصاً على هدي أمته ؟
فنقول : هذا السؤال مبني علي الأصل الفاسد المتقدم ، المركب من الإعراض عن الكتاب والسنة ، وطلب الهدي في مقالات المختلفين المتقابلين في النفي والإثبات للعبارات المجملات المشتبهات ، الذين قال الله فيهم : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ) [البقرة/176]، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) [آل عمران: 19] ، وقال تعالى : ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) [المؤمنون: 53].
وبذلك يتبين أن الشارع عليه الصلاة والسلام نص على كل ما يعصم من المهالك نصاً قاطعاً للعذر ، وقال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ ) [التوبة: 115] ، وقال تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [المائدة: 3] ، وقال تعالى : ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) [النساء: 165] ، وقال تعالى : ( وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) [النور: 54] ، وقال : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [الإسراء: 9] ، وقال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا (66) وَإِذًا لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْرًا عَظِيمًا (67) وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ) [النساء: 66-68] ، وقال تعالى : (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ (15) يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ ) [المائدة: 15-16] .
وقال أبو ذر : " لقد توفي رسول الله صلي الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً ".
وفي صحيح مسلم : " أن بعض المشركين قالوا لسلمان: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة . قال : أجل ".
وقال صلى الله عليه وسلم : ( تركتكم على البيضاء ، ليلها كنهارها ، لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك ) وقال : ( ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به ، ولا من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم عنه ) وقال : ( ما بعث الله من نبي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه خيراً لهم ، وينهاهم عن شر ما يعلمه شراً لهم )
وهذه الجملة يعلم تفصيلها بالبحث ، والنظر ، والتتبع ، والاستقراء ، والطلب لعلم هذه المسائل في الكتاب والسنة ، فمن طلب ذلك وجد في الكتاب والسنة من النصوص القاطعة للعذر في هذه المسائل ما فيه غاية الهدى والبيان والشفاء .
وذلك يكون بشيئين :
أحدهما : معرفة معاني الكتاب والسنة .
والثاني : معرفة معاني الألفاظ التي ينطق بها هؤلاء المختلفون ، حتى يحسن أن يطبق بين معاني التنزيل ومعاني أهل الخوض في أصول الدين ، فحينئذ يتبين له أن الكتاب حاكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، كما قال تعالى : ( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ ) [البقرة: 213] ، وقال تعالى : ( وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ) [الشورى: 10] ، وقال : ( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا . أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا ) [النساء: 59-61] .
وأما المختلفون في الكتاب ، المخالفون له ، المتفقون على مفارقته ، فتجعل كل طائفة ما أصلته من أصول دينها الذي ابتدعته هو الإمام الذي يجب اتباعه ، وتجعل ما خالف ذلك من نصوص الكتاب والسنة من المجملات المتشابهات ، التي لا يجوز اتباعها ، بل يتعين حملها على ما وافق أصلهم الذي ابتدعوه ، أو الإعراض عنها ، وترك التدبر لها .
وهذان الصنفان يشبهان ما ذكره الله في قوله : (أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ..) [البقرة: 75-79] .
فإن الله ذم الذين يحرفون الكلم عن مواضعه ، وهو متناول لمن حمل الكتاب والسنة على ما أصله هو من البدع الباطلة ، وذم الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، وهو متناول لمن ترك تدبر القرآن ، ولم يعلم إلا مجرد تلاوة حروفه ، ومتناول لمن كتب كتاباً بيده مخالفاً لكتاب الله لينال به دينا ، وقال : إنه من عند الله ، مثل أن يقول : هذا هو الشرع والدين ، وهذا معنى الكتاب والسنة ، وهذا قول السلف والأئمة ، وهذا هو أصول الدين الذي يجب اعتقاده على الأعيان أو الكفاية ، ومتناول لمن كتم ما عنده من الكتاب والسنة لئلا يحتج به مخالفه في الحق الذي يقوله ، وهذه الأمور كثيرة جداً في أهل الأهواء جملة ، كالرافضة والجهمية ونحوهم من أهل الأهواء والكلام ، وفي أهل الأهواء تفصيلاً ، مثل كثير من المنتسبين إلى الفقهاء مع شعبة من حال الأهواء " .
انتهى باختصار من " درء تعارض العقل والنقل " (1/72-78) .
وهناك حكمة أخرى من إطلاق أحاديث الوعيد بمثل هذه الصيغة ، وهي أنها تكون أبلغ في الزجر والتخويف ، فيحصل المقصود منها ، وهو اجتناب العباد هذا الفعل المحرم ، فإذا سمع المسلم أن المنتحر (في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا) فلا شك أنه لن يقدم على هذا الفعل أبدا ، بخلاف ما لو قيل له : إنه قد يعفو الله عنه ويدخله الجنة بلا عذاب! فقد يكون في ذلك تشجيع له على هذه المعصية .
ولأجل ذلك كان من عظيم فقه السلف : أنهم يُمِرون نصوص الوعيد كما جاءت ؛ لأن تأويلها: يذهب فائدتها ، أو يضعفها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " عامة علماء السلف يقرون هذه الأحاديث ويمرونها كما جاءت ، ويكرهون أن تتأول تأويلات تخرجها عن مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نقل كراهة تأويل أحاديث الوعيد: عن سفيان. وأحمد بن حنبل رضي الله عنهم وجماعة كثيرة من العلماء ونص أحمد على أن مثل هذا الحديث لا يتأول تأويلا يخرجه عن ظاهره المقصود به.." انتهى "مجموع الفتاوى" (7/674).
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله ، في شرح : "باب : من حمل علينا السلاح فليس منا " : " والأولى عند كثير من السلف إطلاق لفظ الخبر من غير تعرض لتأويله ليكون أبلغ في الزجر ، وكان سفيان بن عيينة ينكر على من يصرفه عن ظاهره فيقول : معناه ليس على طريقتنا ، ويرى أن الإمساك عن تأويله أولى لما ذكرناه .." انتهى من "فتح الباري" (13/24) .
وأخيرا ننبه إلى أن الأمثلة الأخرى التي وردت في السؤال غير دقيقة ، فليس ثمة أحاديث بجواز بيع القطط ، وما سبق الاستدلال به في الفتوى رقم : (181675) إنما هو تفقه من جمهور الفقهاء في معنى الحديث ، وليس تعارضا صريحا بين الروايات ، وللتوسع ينظر أيضا : (69770)
وأما حادثة سقاية الكلب وغفران الذنب بسببها فقد وقعت لكل من الرجل ، والمرأة البغي ، ولا تعارض بينهما ، ويتحقق ذلك لكل من سقى حيوانا ، رحمة وشفقة واحتسابا للأجر عند الله ، وما أكثر ما وقع ذلك .
عن محمد بن سيرين ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ ، كَادَ يَقْتُلُهُ العَطَشُ ، إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ ) رواه البخاري (3467) ، ومسلم (2245) .
وعَنْ أَبِي صَالِحٍ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَّ رَجُلًا رَأَى كَلْبًا يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ العَطَشِ ، فَأَخَذَ الرَّجُلُ خُفَّهُ ، فَجَعَلَ يَغْرِفُ لَهُ بِهِ حَتَّى أَرْوَاهُ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ ، فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ ) رواه البخاري (173) ،ومسلم (2244) .
يقول الإمام العيني رحمه الله :
" يقطع بأنه قضيتان ، إحداهما للرجل ، والأخرى للمرأة " انتهى من " عمدة القاري " (16/54) .
وفي الختام ، نصيحتنا لك أن تحرص على طلب العلم ، والقراءة في كتب العلماء ، والدراسة المتخصصة في الجامعات أو في المساجد ، وحينها ستفسح لك الحقائق بشكل أفضل ، أما الخوض في الشبهات عن غير علم ولا بصيرة ، فذلك طريق خاطئ لا يؤدي بك إلى العلم ، وإنما إلى القلق والاضطراب .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب