الحمد لله.
لا يحق لأحد أن يحكم بالوجوب الشرعي على شيء من الأمور إلا ببرهان من كتاب الله أو سنة رسوله ، قال تعالى : ( أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ) سورة الشورى / 21 .
وقد ورد في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته قد كشفوا عن وجوه بعض الموتى من المسلمين ، ولم يكن ذلك على وجه الإيجاب ، بل ولا الاستحباب ؛ وإنما غاية ذلك أنه أمر جائز ، لم يطرد مع كل أحد توفي ، ولا مع كل قريب مع قريبه .
بل إن من العلماء من ضيّق ذلك ، ومنع من كشف وجه الميت إلا للغاسل ومن يليه .
قال ابن حجر معلقا على ترجمة البخاري في صحيحه " باب الدخول على الميت بعد الموت إذا أدرج في أكفانه " ، قال :" الموت لما كان سبب تغيير محاسن الحي التي عهد عليها - ولذلك أمر بتغميضه وتغطيته - كان ذلك مظنة للمنع من كشفه حتى قال النخعي : ينبغي أن لا يطلع عليه إلا الغاسل له ومن يليه ، فترجم البخاري على جواز ذلك " .
انتهى من " فتح الباري " (4/266) .
ولذلك نص الفقهاء على جوازه دفعا لقول المانعين ، ولم يجعلوه من قبيل المندوبات أو المأمورات .
قال ابن قدامة : " ( وإن أحب أهله أن يروه لم يمنعوا ) وذلك لما روي عن جابر قال : لما قتل أبي جعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي ، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينهاني ، وقالت عائشة : (رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبل عثمان بن مظعون وهو ميت ، حتى رأيت الدموع تسيل) ، وقالت : (أقبل أبو بكر فتيمم [ أي : قصد] النبي صلى الله عليه وسلم وهو مسجى ببرد حبرة فكشف عن وجهه ، ثم أكب عليه فقبله ، ثم بكى ، فقال : بأبي أنت يا نبي الله ، لا يجمع الله عليك موتتين) ، وهذه أحاديث صحاح " انتهى من "المغني" (2/350) .
وهذه الأحاديث تدل على استحباب ستر وجه الميت ، وتدل كذلك على جواز الدخول عليه وكشف وجهه وتقبيله ، سواء كان ذلك بعد التكفين أو قبله ، فحديثا أبي بكر وجابر كانا بعد الوفاة قبل التكفين ، وحديث عثمان بن مظعون كان بعد التكفين ، كما جاء مصرحا به في البخاري (1243) : (فلما توفي وغسل وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم)
قال ابن حجر رحمه الله تعالى : " الدخول الثابت في الأحاديث الثلاثة : كان في حالة الإدراج أو في حالة تقوم مقامها . قال ابن رشيد : المعنى الذي في الحديثين من كشف الميت بعد تسجيته ، مساو لحاله بعد تكفينه " انتهى من " فتح الباري " (4/266) .
تعليق