الخميس 18 رمضان 1445 - 28 مارس 2024
العربية

الصلاة في مسجد بني على مقبرة

244431

تاريخ النشر : 20-11-2016

المشاهدات : 15813

السؤال


يوجد لدينا بالقرية مسجد ، هو أشهرها ـ، وأوسعها ، وأقدم من المساجد الأخرى ، وأقربها إلى منزلي ، ولكن به شبهتان : الأولى : كان فيه قبر من الداخل ، وبني على أرض كانت مقابر ، والآن تم إخراج القبر بخارجه ، وللعلم أن المقابر عندنا علي وجه الأرض ، فما حكم الصلاة فيه ؟ وما حكم الصلوات التي تمت قبل ذلك ؟

الجواب

الحمد لله.


إذا تم إخراج القبر من المسجد ، فلا حرج في الصلاة فيه، ولا يضر كون المسجد بني على أرض كانت مقابر ، إذا نبشت وأخرج ما فيها، أو علم اندراسها وخلوها من بقايا الأموات، فإن بقي لأموات المسلمين فيها أثر من عظم وغيره ، لم يجز بناء مسجد عليها، ووجب هدمه إن بني.
وتفصيل ذلك فيما يلي:
أولا:
لا يجتمع في الإسلام مسجد وقبر، بل يزال الطارئ منهما.
قال الرملي رحمه الله : " ودفنه في مسجد ، كهو في المغصوب [ أي كما لو دفن في مكان مغصوب] ؛ فينبش ، ويخرج مطلقا ، فيما يظهر " انتهى من "نهاية المحتاج" (3/39) ، ومثله في "تحفة المحتاج في شرح المنهاج" (3/204) لابن حجر الهيتمي رحمه الله.
وقوله : " مطلقا " أي سواء ضيَّق على المسلمين ، أو لم يضيق عليهم، وسواء تغير الميت ، أو لم يتغير . ينظر : حواشي الكتابين .
وقال ابن القيم رحمه الله : " وعلى هذا : فيهدم المسجد إذا بني على قبر ، كما ينبش الميت إذا دفن في المسجد ، نص على ذلك الإمام أحمد وغيره ، فلا يجتمع في دين الإسلام مسجد وقبر ، بل أيهما طرأ على الآخر منع منه ، وكان الحكم للسابق .
فلو وضعا معا : لم يجز ، ولا يصح هذا الوقف ، ولا يجوز ولا تصح الصلاة في هذا المسجد لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، ولعنه من اتخذ القبر مسجدا ، أو أوقد عليه سراجا ، فهذا دين الإسلام الذي بعث الله به رسوله ونبيه ، وغربته بين الناس كما ترى " .
انتهى من "زاد المعاد" (3/500).
وقال ابن مفلح رحمه الله : " ويحرم الدفن في مسجد ونحوه ، ويُنبش ، نصّ عليه " أي الإمام أحمد ، انتهى من "الفروع" (2/279).
وقال البهوتي رحمه الله : " ( و ) يحرم ( دفنه في مسجد ونحوه ) كمدرسة ورباط ، لتعيين الواقف الجهة لغير ذلك ( وينبش ) من دفن بمسجد ونحوه ، ويخرج نصًّا [أي : نص عليه الإمام أحمد] ؛ تداركا للعمل بشرط الواقف " انتهى من "كشاف القناع" (2/145).

فإن كان المسجد قد بني أولا، وحصل الدفن بعد ذلك، فقد أحسنتم بإخراج القبر منه.
وإن كان القبر قبل المسجد، فكان الواجب هدم المسجد، لأن نبش القبر وإخراجه حينئذ اعتداء، والأصل تحريم هذا النبش إلا لضرورة ، ولا ضرورة في بناء المسجد ثمّ.

ثانيا:
على فرض أن القبر هو السابق على بناء المسجد ، وقد حصل اعتداء بنبش القبر وإخراجه : فلم يعد ممكنا تدارك هذا الأمر ؛ فيبقى المسجد على حاله ، وما دام قد خلا من القبور : جازت الصلاة فيه، كما سبق مبينا في الفتوى رقم: (60003) .
ثالثا:
إذا اندرست المقبرة وتقادمت ، بحيث غلب على الظن عدم بقاء شيء من آثار الأموات فيها: جاز الانتفاع بها في البناء والزرع وغير ذلك عند الجمهور، ما لم تكن جعلت وقفا ، فيلتزم فيها بشرط الواقف.
قال المرداوي رحمه الله: " متى (عُلِم) أن الميت صار ترابا ، قال في الفروع: ومرادهم (ظُنَّ) أنه صار ترابا ، ولهذا ذكر غير واحد : يعمل بقول أهل الخبرة ؛ فالصحيح من المذهب أنه يجوز دفن غيره فيه.
نقل أبو المعالي : جاز الدفن والزراعة وغير ذلك .
ومراده : إذا لم يخالف شرط واقفه لتعيينه الجهة...
وأما إذا لم يصر ترابا : فالصحيح من المذهب أنه لا يجوز الدفن فيه ؛ نص عليه، ونقل أبو طالب : تبقى عظامه مكانه ، ويُدفن . اختاره الخلال" انتهى من " الإنصاف " (2/387).
وقال النووي رحمه الله: " (وأما) نبش القبر : فلا يجوز لغير سبب شرعي ، باتفاق الأصحاب ، ويجوز بالأسباب الشرعية ، كنحو ما سبق .
ومختصره : أنه يجوز نبش القبر : إذا بَلي الميت ، وصار ترابا ، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه ، ويجوز زرع تلك الأرض ، وبناؤها ، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها ، باتفاق الأصحاب . وإن كانت عارية ، رجع فيها المُعير .
وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر ، من عظم وغيره .
قال أصحابنا رحمهم الله : ويختلف ذلك باختلاف البلاد والأرض ، ويعتمد فيه قول أهل الخبرة بها" انتهى من "المجموع" (5/303).

والذي يظهر من سؤالك أنه قد تم نبش القبور قبل بناء المسجد ، لأنك ذكرت أن الدفن عندكم على ظاهر الأرض وليس في باطنها .
وعلى فرض أنها لم تنبش ، فقد ذكرت أن هذا أقدم مسجد في القرية ، وهذا يعني أنه يغلب على الظن أنه قد بلي ما بقي من آثار الموتى .
وعلى هذا ؛ فلا حرج من الصلاة في هذا المسجد .
رابعا:
على فرض أن الصلاة لا تصح في هذا المسجد ، على التفصيل السابق ذكره : وكنت قد صليت فيه جاهلا بوجود القبر ، أو جاهلا بالحكم ، فليس عليك شيء من الإثم ، وليس عليك أيضا إعادة ما صليت فيه من الصلوات قبل ذلك .
وقد سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين ، رحمه الله :
" مسجد بني على قبر والمصلي لا يعلم أن فيه قبراً، أو يعلم ويجهل الحكم، فما حكم صلاته، سواءً كانت كثيرة أو قليلة؟" .
فأجاب :
" إذا كان لا يعلم أن فيه قبراً : فلا شيء عليه، لقوله تعالى: ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) [البقرة:286].
السائل: وإن كان يعلم أن فيه قبراً ، لكنه يجهل الحكم؟
الجواب: كذلك لو كان يعلم أن فيه قبراً ويجهل الحكم لا شيء عليه؛ لأن هذا فَعَلَ محرماً جاهلاً، وفعل المحرم إذا كان عن جهل لا يؤثر.
السائل: هل إذا كان المسجد مبنياً على قبر، أو قبر أدخل المسجد على حد سواء؟
الجواب: لا، إذا بني المسجد على قبر وجب هدمه، ولا تصح الصلاة فيه .
وإذا دفن أحدٌ في المسجد : لم يجب هدم المسجد ، وإنما يجب نبش القبر ودفنه مع الناس، ثم الصلاة في هذا المسجد صحيحة، لكن لا يجعل القبر بينه وبين القبلة."
انتهى من لقاء "الباب المفتوح" (234/27) ترقيم الشاملة .
وسئل أيضا عن رجل صلى في مسجد به قبر ولم يعلم إلا بعد الصلاة ، فهل يعيد الصلاة مرة أخرى ؟
فأجاب : "لا يعيد الصلاة مرة أخرى " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (8/2) الشاملة .

لكن هذا كما قلنا : على افتراض أن القبور لم تكن قد نبشت تماما ، ثم إنها لم تبل بعد هذه المدة من بنائه .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب