الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

التحذير من نشر الأدعية المخترعة ، والدعوة إلى تعاهدها .

246839

تاريخ النشر : 12-08-2016

المشاهدات : 51637

السؤال


أنصحكم بهذا الدعاء اليوم فأبواب السماء مفتوحة للاستجابة بمشيئته تعالى : ( ٱللهم لا تشمت أعدائي بدائي ، واجعل القرآن العظيم دوائي وشفائي ، أنت ثقتي ورجائي ، واجعل حسن ظني بك شفائي ، اللهم ثبت علي عقلي وديني ، وبك يا رب ثبت لي يقيني وارزقني رزقاً حلالاً يكفيني ، وابعد عني شر من يؤذيني ، ولا تحوجني لطبيب يداويني ، اللهم استرني على وجه الأرض ، اللهم ارحمني في بطن الأرض ، اللهم اغفر لي يوم العرض عليك . بسم الله طريقي ، والرحمن رفيقي ، والرحيم يحرسني من كل شيء يلمسني ، اللهم أعوذ بك من شر النفاثات في العقد ، ومن شر حاسد إذا حسد . اللهم إني عبدك ، ابن عبدك ، ابن أمتك ، ناصيتي بيدك ، ماض في حكمك ، عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحداً من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ، ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي ، اللهم يا مسهل الشديد ، ويا ملين الحديد ، ويا منجز الوعيد ، ويا من هو كل يوم في أمر جديد ، أخرجني من حلق الضيق إلى أوسع الطريق ، بك أدفع ما لا أطيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم . أسالك اللهم بقدرتك التي حفظت بها يونس في بطن الحوت ، ورحمتك التي شفيت بها أيوب بعد الابتلاء ، أن لا تبقي لي هما ولا حزنا ولا ضيقا ولا سقما إلا فرجته ، وإن أصبحت بحزن فامسيني بفرح ، وإن نمت على ضيق فايقظني على فرج ، وإن كنت بحاجة فلا تكلني إلى سواك ، وأن تحفظني لمن يحبني ، وتحفظ لي أحبتي . اللهم إنك لا تحمل نفساً فوق طاقتها ، فلا تحملني من كرب الحياة مالا طاقة لي به ، وباعد بيني وبين مصائب الدنيا وتقلب حوادثها كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم بشرني بالخير كما بشرت يعقوب بيوسف ، وبشرني بالفرح كما بشرت زكريا بيحيى ، اللهم يامن لا تضيع لديك الودائع .

الجواب

الحمد لله.


الذي ينبغي أن ينشر ويوصى الناس بتعاهده والدعاء به : هو ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من أدعية ، فلا يؤمر الناس ولا ينصحون بدعاء لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا به .
وغاية ذلك الدعاء المخترع أن يكون جائزا ، ـ إن كان سالما من المؤاخذات عليه ـ فلو دعا به شخص ما ، في حاجة نفسه : فلا حرج عليه ، ولكن ليس له أن ينشره وأن يحث الناس على الدعاء به ، فإن ذلك لا يكون إلا فيما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" لا ريب أن الأذكار والدعوات من أفضل العبادات ، والعبادات مبناها على التوقيف والاتباع لا على الهوى والابتداع ، فالأدعية والأذكار النبوية هي أفضل ما يتحراه المتحري من الذكر والدعاء ، وسالكها على سبيل أمان وسلامة ، والفوائد والنتائج التي تحصل : لا يعبر عنه لسان ولا يحيط به إنسان ، وما سواها من الأذكار قد يكون محرما ، وقد يكون مكروها ، وقد يكون فيه شرك مما لا يهتدي إليه أكثر الناس ...
ففي الأدعية الشرعية والأذكار الشرعية غاية المطالب الصحيحة ، ونهاية المقاصد العلية ، ولا يعدل عنها إلى غيرها من الأذكار المحدثة المبتدعة إلا جاهل أو مفرط أو متعد " .
انتهى من "مجموع الفتاوى" (22 /510-511).
وقال القاضي عياض رحمه الله : " أذن الله في دعائه ، وعلَّم الدعاءَ في كتابه لخليقته ، وعلَّم النبيُّ صلى الله عليه وسلم الدعاءَ لأمَّته ، واجتمعت فيه ثلاثةُ أشياء : العلمُ بالتوحيد ، والعلم باللغة ، والنصيحة للأمَّة ، فلا ينبغي لأحدٍ أن يعدلَ عن دعائه صلى الله عليه وسلم ، وقد احتال الشيطانُ للناس من هذا المقام ، فقيَّض لهم قومَ سوء يخترعون لهم أدعيةً يشتغلون بها عن الاقتداء بالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم " انتهى من "الفتوحات الربانية" لابن علان (1/17) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
" فيما ثبت في الوحيين من الأدعية والأذكار غنية عن الأدعية والأذكار المخترعة " .
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة"(1 / 53) .
وقد ورد في هذا الدعاء المذكور بعض العبارات المسجوعة سجعا متكلفًا ، وذلك مذموم في الدعاء ، مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ، روى أبو يعلى (4475) بسند صحيح عَنْ مَسْرُوقٍ ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لِلسَّائِبِ: " إِيَّاكَ وَالسَّجْعَ ، لَا تَسْجَعْ ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَسْجَعُونَ ".
وترجم البخاري في صحيحه (8/ 74):
" بَابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّجْعِ فِي الدُّعَاءِ "
ثم روى (6337) عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: " انْظُرِ السَّجْعَ مِنَ الدُّعَاءِ فَاجْتَنِبْهُ ، فَإِنِّي عَهِدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ لَا يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ " ـ يَعْنِي لاَ يَفْعَلُونَ إِلَّا ذَلِكَ الِاجْتِنَابَ ـ .
قال ابن بطال رحمه الله:
" إنما نهى عن السجع فى الدعاء ، والله أعلم ؛ لأن طلب السجع فيه تكلف ومشقة ، وذلك مانع من الخشوع وإخلاص التضرع لله تعالى ، وقد جاء فى الحديث: (إن الله لا يقبل من قلب غافلٍ لاهٍ) وطالب السجع فى دعائه ، همته في تزويق الكلام وسجعه، ومن شغل فكره وكد خاطره بتكلفه، فقلبه عن الخشوع غافل لاه " انتهى من " شرح صحيح البخارى " (10/ 97)
وهذا كقوله فيه :
" بسم الله طريقي ، والرحمن رفيقي ، والرحيم يحرسني ، من كل شيء يلمسني "
وكقوله :
" اللهم يا مسهل الشديد ، ويا ملين الحديد ، ويا منجز الوعيد ".
مع أن قوله : "يا منجز الوعيد" غير صحيح ، وإنما يقال : "منجز الوعد" والفرق بينهما : أن الوعد يكون في الخير ، والوعيد يكون في الشر والعقاب . كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر : ( اللهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي ) رواه مسلم (1763)
والعرب لا تعدّ إخلاف الوعيد ذما ، بل جودا وكرما ، كما قال الشاعر:
وَإِنِّي إِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفُ إِيعَادِي وَمُنْجِزُ مَوْعِدِي
يراجع : " مدارج السالكين " (1/ 400) .
وينظر للفائدة : جواب السؤال رقم : (215106) .

وبالجملة :
فمثل هذه الأدعية لا تنشر ، ولا ينصح الناس بالتزامها وتعاهدها وحفظها والدعاء بها ، وإنما يُنصح الناس بذلك في أدعية الكتاب والسنة .
وبعض الدعاء الوارد في السؤال قد وردت به السنة ، وهو قوله : " اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ... " إلى قوله " وجلاء حزني وذهاب همي " فهذا معروف في السنة من أدعية الهم والكرب ، رواه الإمام أحمد (3712) ، وصححه الألباني في " الصحيحة " (199) .
فمثل هذا يُنصح به ويدعى إليه وينشر بين الناس .

وأما قول ناشر هذا الدعاء ، أو مخترعه : إن أبواب السماء مفتوحة .. ، يعني لهذا الدعاء المتكلف فهو من القول على الله بغير علم ، وادعاء أمر من الغيب ، لا يعلمه إلا رب العالمين ؛ وقد حذر الله عباده أن يقولوا عليه بغير علم ، أو يتكلم بأمر ، من غير حجة ولا برهان .
قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33 .
وقال تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 .

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب