الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ؟

247681

تاريخ النشر : 10-11-2016

المشاهدات : 25686

السؤال


هل ثبت أن النبى صلى الله عليه وسلم وُلد رافعا أصبعه ورأسه إلى السماء ؟

الجواب

الحمد لله.


روى عبد الرزاق في "المصنف" (9718) عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ : أن أمه صلى الله عليه وسلم قالت : لَقَدْ وَلَدْتُهُ حِينَ وَلَدْتُهُ ، فَخَرَّ مُعْتَمِدًا عَلَى يَدَيْهِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ " .
وهذا مرسل صحيح الإسناد .
ورواه ابن حبان (6335) ، وأبو يعلى (7163) من طريق مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ ، عَنْ جَهْمِ بْنِ أَبِي جَهْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ ، رَضِيَ الله عَنْهما ، عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ السعدية ... فذكر قصة إرضاعه صلى الله عليه وسلم ، وفيه : أن أم رسول الله صلى الله عليه وسلم قَالَتْ:
" ... ثُمَّ وَضَعْتُهُ ، فَمَا وَقَعَ كَمَا يَقَعُ الصِّبْيَانُ ، وَقَعَ وَاضِعًا يَدَهُ بِالْأَرْضِ، رَافِعًا رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ".
وقال الشيخ شعيب الأرناؤوط في تعليقه على صحيح ابن حبان :
" في سنده انقطاع بين عبد الله بن جعفر -وهو ابن أبي طالب- وبين حليمة.
وجَهم بن أبي جهم : ذكره المؤلف في "الثقات" 4/113، فقال: يروي عن عبد الله بن جعفر، وعن المِسور بن مَخْرَمَةَ ، وهو مولى الحارث بن حاطب القرشي ، روى عنه محمد بن إسحاق وعبد الله العمري ، والوليد بن عبد الله بن جميع، وذكره البخاري 2/229، وابن أبي حاتم 2/521، فلم يذكرا فيه جرحاً ولا تعديلا.
ولا يعرف لحليمة رواية إلا هذا الحديث، ولم يثبت أنها رأت النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد بعثته " انتهى مختصرا .

ورواه الآجري في "الشريعة" (964) ، والبيهقي في "الدلائل" (1/132) ؟، وابن عساكر في "التاريخ" (3/91) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي جَهْمٍ , قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ يَقُولُ: حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّتِي أَرْضَعَتْهُ ... فذكره .
وهذا إسناد ضعيف ، جهم بن أبي الجهم مجهول ، ذكره الذهبي في "الميزان" (1/ 426) وقال : " لا يعرف، له قصة حليمة السعدية " انتهى .
ولم يسمع هذه القصة من عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما ، لقوله : " حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرِ ".
وعبد الله بن جعفر لم يسمعها من حليمة السعدية ، لقوله : " حُدِّثْتُ عَنْ حَلِيمَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ ".
ولكن هذه الأخيرة علة خفيفة ، لأن عبد الله بن جعفر صحابي غير أنه من صغار الصحابة .

ورواه ابن سعد في "الطبقات" (1/81 ،120) ، من طريق شيخه الواقدي من طرق متعددة ، ولكن الواقدي متهم ، كذبه الإمام أحمد وغيره ، وقال أبو داود : لا أكتب حديثه ولا أحدث عنه ، ما أشك أنه كان يفتعل الحديث . وقال بندار : ما رأيت أكذب منه.
وقال إسحاق بن راهويه : هو عندي ممن يضع الحديث .
راجع : "تهذيب التهذيب" (9 /323-326)
فلا عبرة بما روى .

والحديث ضعفه الشيخ الألباني ، قال رحمه الله ، في "التعليق على فقه السيرة" للبوطي :
" القصة لم تأت بإسناد تقوم به الحجة وأشهر طرقها ما رواه محمد بن إسحاق عن جهم بن أبي جهم عن عبد الله بن جعفر عن حليمة بنت الحارث السعدية
أخرجه أبو يعلى (ق 128 / 1) وعنه ابن حبان (2094 - موارد) وأبو نعيم في (دلائل النبوة) (1 / 47) عن ابن إسحاق به وأخرجه البيهقي في (دلائل النبوة) (1 / 108) عنه أيضا إلا أنه قال: حدثنا جهم بن أبي الجهم - مولى لامرأة من بني تميم كانت عند الحارث بن حاطب وكان يقال: مولى الحارث بن حاطب - قال: حدثنا من سمع عبد الله بن جعفر بن أبي طالب يقول: حدثت عن حليمة بنت الحارث .
قلت: وهذا إسناد ضعيف فيه علتان:
الأولى: الاضطراب في إسناده كما هو ظاهر ، ففي الرواية الأولى عنعنة ابن إسحاق من جميع رواته ، وفي الأخرى تصريحه بالتحديث ، مع تصريح الجهم بأنه لم يسمعه من عبد الله بن جعفر ، وتصريح هذا بأنه لم يسمعه من حليمة .
فعلى الرواية الأولى : فيه انقطاع بين ابن إسحاق والجهم ، لأن الأول مشهور بالتدليس .
وعلى الرواية الأخرى : الانقطاع في موضعين منه .
ومنه تعلم وهم الحافظ في (الإصابة) حيث قال (4 / 266) : (وصرح ابن حبان في (صحيحه) بالتحديث بين عبد الله وحليمة) ؛ فإنه لا أصل لهذا التحديث عند ابن حبان ولا عند غيره ممن ذكرنا .
ويستبعد جدا أن يدرك عبد الله بن جعفر حليمة مرضعة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم كان عبد الله ابن عشر سنين ، وهي وإن لم يذكروا لها وفاة ، فمن المفروض عادة أنها توفيت قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
وسواء كان الراجح الرواية الأولى ، أو الأخرى : فالإسناد منقطع لا محالة .
والعلة الأخرى : أن مداره على جهم بن أبي الجهم ، وهو مجهول الحال ، قال الذهبي في (الميزان) : (لا يعرف له قصة حليمة السعدية) .
وأما ابن حبان فذكره في (الثقات) (1 / 31) على قاعدته في توثيق المجهولين .

وللقصة عند أبي نعيم طريقان آخران مدارهما على الواقدي ، وهو كذاب ، أحدهما عن شيخه موسى بن شيبة ، وهو لين الحديث ، كما قال الحافظ في (التقريب) ، والأخرى عن عبد الصمد بن محمد السعدي عن أبيه عن جده قال: حدثني بعض من كان يرعى غنم حليمة. . . وهؤلاء مجهولون" .
انتهى ، من "دفاع عن الحديث النبوي" (39) .

وقال أيضا ، في "تعليقه على صحيح ابن حبان" (9/128) :
" .. صرَّح ابن إسحاق بالتحديث في "سيرة ابن هشام" (1/ 172)، لكنَّه شكَّ، فقال: عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، أو عمَّن حدَّثه عنه، قال ..... ؛ فذكره.
فلم تطمئن النفس لاتصاله، ولا سيما وجهمٌ هذا مجهول الحال؛ لم يُوَثِّقْهُ غير ابن حبان (4/ 113)، وقال الذهبي في "الميزان" وغيره: "لا يُعرف" . انتهى .
وينظر : "المطالب العالية" لابن حجر ، وتعليق المحققين (17/180-182) .

وهذا الحديث مشهور برواياته ، وطرقه ، عند أهل السير ، كما قال ابن كثير رحمه الله :
" هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ رُوِيَ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، وَهُوَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمَشْهُورَةِ الْمُتَدَاوَلَةِ بَيْنَ أَهْلِ السِّيَرِ وَالْمَغَازِي " انتهى من "البداية والنهاية" (2/ 275) .
ولعله ، لشهرته : قواه الذهبي رحمه الله ، فقال عن حديث ابن إسحاق المتقدم :
" هذا حديث جيد الإسناد " انتهى من "تاريخ الإسلام" (1/48) .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب