الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

عنده تساؤل حول حركة الأرض ودورانها .

285212

تاريخ النشر : 16-02-2018

المشاهدات : 79792

السؤال

ينص القرآن على أن الأرض لا تتحرك ، وأن الشمس والقمر يدوران حولها ، وهو الرأي الذي يقول به الشيخ ابن عثيمين ، وابن باز ، والفوزان ، ولكن هذا القول مخالف لما تعلمناه في المدرسة في بريطانيا ، وأن هذه من الحقائق العلمية ، ولكنني أتبع القران والسنة ، ولذلك أتجاهل هذه النظريات العلمية متى ما تعارضت مع الإسلام ، ولكن تأتيني خواطر سيئة ، ومتى ما حصل ذلك أتجهم ، وأشعر بالغثيان بسبب هذه الأفكار ، فأنا دائمًا أقول : إنني أؤمن بما في القرآن والسنة ، وفي بعض الأحيان أقول لنفسي : تجاهل هذه الوساوس ، ولكن هذه الوساوس لا تغادرني ، لذا أبحث عن الأجوبة على الانترنت ، وهذا جعلني أفكر أن سبب بحثي عن الجواب هو لإنني شككت في البداية في صحة ما جاء به القرآن وعليه فقد كفرت ، مع العلم أنني قرأت في الماضي بعض المواد المعادية للإسلام مما جعلني في ضيق ، فبحثت عن الأجوبة عن طريق الانترنت ، فهل هذا الشك الذي يساوروني مخرج من الملة ؟ مع العلم لو شكك أحدهم بالقرآن أو النبي صلى الله عليه وسلم أمامي أشعر بالضيق مباشرة ، وأرفض ما يقال أمامي .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

لا بد أن تعرف أولاً : أن ما نص عليه الكتاب والسنة الصحيحة نصاً لا يحتمل إلا معنى واحداً ، فإن منكره كافر لا محالة.

فمن ذلك : أن الله خالق كل شيء ، الكون بما فيه ، ومن فيه ؛ فمن زعم أن شيئا في الكون ، لم يخلقه الله : فهو كافر كفرا أكبر ، خارج من ملة الإسلام .

وأما ما لم يذكره  الكتاب والسنة الصحيحة  بخصوصه ، أو لم ينصا عليه ، فهو دون الأول .

ويخبو وهج الإنكار على المختلفين فيه ووصمهم بالبدعة أو الكفر ، كلما تضاءلت درجة دلالة النصوص على المسألة ، وظهورها فيما هو محل الإشكال ؛ حسبما هو مقرر في علم  أصول الفقه.

ثانيا :

ومن الأمور التي لم ينص عليها صراحة ، بخصوصها : حركة الأرض ؛ فإن الكتاب والسنة الصحيحة ، لم يعمدا إلى بيان حال ذلك ؛ إثباتاً أو نفياً .

نعم توجد بعض النصوص التي تشير إليها ، كعادة القرآن والسنة في الإشارة إلى بعض الظواهر العلمية التي لم يتوصل إليها أهل ذلك العصر ، فيشير إليها القرآن بإشارة تثبتها ، ولكن دون صراحة تُنَفِّرُ الناس حينها وتشككهم في القرآن لقصور معارفهم العلمية الطبيعية . وتكون هذه الإشارة دليلاً لأهل العصور التالية ، حين يتقدم العلم وينكشف المزيد من الحقائق ، فيتطابق حينها العلم مع إشارات القرآن (  سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) سورة فصلت /53 .

قال الزحيلي  في "التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج"  (25/16)  " أي سنظهر لهم دلالات صدق القرآن، وعلامات كونه من عند الله ، في أقطار السموات والأرض، المشتملة على خلق الشمس والقمر والنجوم، وتعاقب الليل والنهار، وأحداث الكون الرهيبة من الأعاصير والبراكين والصواعق، وعظمة الجبال والبحار، وإبداع صنع النباتات والأشجار، وما يحدث في الأرض من فتوحات كبري على أيدي المسلمين في أرجاء الأرض المحيطة بمكة والجزيرة العربية. وهذا الإخبار عن الغيب معجزة .

وسنظهر صدق القرآن وأنه منزل من عند الله أيضا في خلق أنفس البشر، وما فيها من إبداع الصنعة، وعظمة التركيب : ( وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ ) ، وفي مصائر الناس وتبدل أحوال أهل مكة العتاة من سادة متكبرين إلى أذلة صاغرين .

كل ذلك ليعرفوا من هذه الوقائع والأحداث والخلائق ، ويتبينوا بجلاء : أن القرآن ، ومُنْزِلَه ، ومن أُنزل عليه : حق وصدق لا شك فيه .

وإذا لم ينظروا ويتأملوا ، فتكفي شهادة الله بأن القرآن حق، فقال تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ) ؟ أي كفى بالله شاهدا على أفعال عباده وأقوالهم ، من الكفار وغيرهم ، وكفى به شاهدا على أن القرآن منزل من عنده " انتهى .

وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله: في هذا المعنى " س - ماذا تقولون في دوران الأرض؟ 

الشيخ: نحن الحقيقة لا نشك في أن قضية دوران الأرض حقيقة علمية لا تقبل جدلا .

في الوقت الذي نعتقد أن ليس من وظيفة الشرع عموما، والقرآن خصوصا: أن يتحدث عن علم الفلك.

ودقائق علم الفلك وإنما هذه تدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه مسلم في صحيحه من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه في قصة تأبير النخل حينما قال لهم (إنما هو ظن ظننته فإذا أمرتكم بشيء من أمر دينكم فأتوا منه ما استطعتم وما أمرتكم من شيء من أمور دنياكم فأنتم أعلم بأمور دنياكم).

فهذه قضايا ليس من المفروض أن يتحدث عنها الرسول عليه السلام، وإن تحدث هو في حديثه، أو ربنا عز وجل في كتابه؛ فإنما لبالغة أو لآية أو معجزة، أو نحو ذلك.

ولذلك فنستطيع أن نقول: إنه لا يوجد في الكتاب ولا في السنة ما ينافي هذه الحقيقة العلمية المعروفة اليوم، أو التي تقول بأن الأرض كروية، وأنها تدور بقدرة الله عز وجل في هذا الفضاء الواسع.

بل يمكن للمسلم أن يجد ما يشعر، إن لم نقل ما ينص على أن الأرض، كالشمس وكالقمر ، من حيث إنها كلها في هذا الفراغ، كما قال عز وجل (وكل في فلك يسبحون).

لا سيما إذا استحضرنا أن قبل هذا التعميم الإلهي بلفظة (وكل) ؛ هي تعني الكواكب الثلاثة، حيث ابتدأ بالأرض فقال (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حبا فمنه يأكلون)، ثم قال (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ *  وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ * لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) سورة يس / 33- 40.

لفظة (كل) تشمل الآية الأولى؛ الأرض، ثم الشمس، ثم القمر، ثم قال تعالى: (وكل في فلك يسبحون) هذا ظاهر من سياق الآيات هذه ......

هذا أقوله؛ فإن صح، فبها ونعمت.

وإن لم يصح، فأقل ما يقال : إنه لا يوجد في القرآن، كما قلت آنفا ، ولا في السنة، ما ينفي هذه الحقيقة العلمية" انتهى من "سلسلة الهدى والنور" للشيخ الألباني - الإصدار 4 (497/ 10).

وعلى كلٍ ، فمنكر حركة الأرض لا تثريب عليه شرعاً إذا لم تتضح له الإشارة القرآنية السابقة.

ومثبت الحركة لا تثريب عليه كذلك شرعاً، إذا فهمها من القرآن، أو علمها من العلوم الطبيعية.

وذلك أن حركة الأرض لا تُعد من العقائد الدينية التي يجب إثباتها ، أو نفيها.

وإنما هي - أصالة - مسألة من مسائل العلوم الطبيعية والتجريبية، تبحث في علمها وفي بابها، بحسب الأدوات الموصلة إلى اليقين، أو الظن فيها. وقد جعل الله لكل شيء قدرا.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

"وفي قوله تعالى: (إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ) (وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُم): دليل على أن الشمس هي التي تتحرك، وهي التي بتحركها يكون الطلوع والغروب.

خلافاً لما يقوله الناس اليوم، من أن الذي يدور هو الأرض، وأما الشمس فهي ثابتة.

فنحن لدينا شيء من كلام الله، الواجب علينا أن نجريه على ظاهره، وألا نتزحزح عن هذا الظاهر إلاَّ بدليل بَيِّن.

فإذا ثبت لدينا بالدليل القاطع: أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض ، فحينئذ يجب أن نؤول الآيات ، إلى المعنى المطابق للواقع. فنقول: إذا طلعت في رأي العين  وإذا غربت في رأي العين، تزاور في رأي العين، تقرض في رأي العين.

أما قبل أن يتبين لنا بالدليل القاطع، أن الشمس ثابتة، والأرض هي التي تدور، وبدورانها يختلف الليل والنهار؛ فإننا لا نقبل هذا أبداً، علينا أن نقول: إنَّ الشمس هي التي بدورانها يكون الليل والنهار، لأن الله أضاف الأفعال إليها، والنبي صلى الله عليه وسلم حينما غربت الشمس قال لأبي ذر: "أتدري أين تذهب؟ "؛ فأسند الذَّهاب إليها .

ونحن نعلم علم اليقين أن الله تعالى أعلم بخلقه، ولا نقبل حدْساً ولا ظناً، ولكن لو تيقنا يقيناً أن الشمس ثابتة في مكانها، وأن الأرض تدور حولها، ويكون الليل والنهار، فحينئذ تأويل الآيات واجب، حتى لا يخالف القرآن الشيء المقطوع به" انتهى  من "تفسير سورة الكهف" (32-33).

والحاصل:

أن مسألة دوران الأرض من عدمها: لا مدخل لها في زعزعة إيمانك، أو تثبيته؛ فاحذر من همزات الشيطان، ووساوسه، وتلبيسه.

وإنما الواجب أن تقدر المسألة بقدرها؛ فمتى ثبت دوران الأرض ، أمكن تأويل ظواهر النصوص؛ فإن الشرع لم يعمد إلى بيان ذلك صريحا، ولا هو مما نزل القرآن لأجله.

ينظر جواب السؤال رقم: (162219)، و (138144).

وللأهمية ينظر جواب السؤال رقم: (224718)، و (12315)، و (225906).

والله أعلم .


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب