الحمد لله.
نعم ، ذهب جمع من أهل العلم إلى إباحة إسقاط النطفة قبل الأربعين ، وذهب آخرون إلى تحريم ذلك .
ومن أقوال المجيزين : ما قاله ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (3/401) : " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ، ما لم يتخلق شيء منه " .
ويحتمل أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح ، وذلك يكون بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل ، ويحتمل أنهم أرادوا التخليق وإن لم تنفخ فيه الروح ، وذلك لا يكون قبل ثمانين يوماً من بداية الحمل ، والغالب أنه يكون عند التسعين .
وفي حاشية قليوبي وعميرة (شافعي) (4/160): " نعم ، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه ، خلافا للغزالي " انتهى .
وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) (1/386): " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة . ذكره في الوجيز ، وقدمه في الفروع . وقال ابن الجوزي في أحكام النساء : يحرم . وقال في الفروع : وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون : أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح . قال: وله وجه . انتهى . وقال الشيخ تقي الدين : والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع نفوذ المني في مجاري الحبل " انتهى .
ومن أقوال المانعين : قول الدردير في شرحه على خليل (مالكي) (2/266): "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما ، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا" انتهى .
وقال الرملي في نهاية المحتاج (شافعي) (8/442) : " وقال المحب الطبري : اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين : قيل : لا يثبت لها حكم السقط والوأد , وقيل : لها حرمة ، ولا يباح إفسادها ، ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم , بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه ... وقد أشار الغزالي إلى هذه المسألة في الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله : وليس هذا كالإجهاض والوأد لأنه جناية على موجود حاصل , فأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة ، فإفسادها جناية , فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش , فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشاً , ثم قال : ويبعد الحكم بعدم تحريمه " انتهى .
والحاصل أن الفقهاء مختلفون في هذه المسألة ، وعليه فلا ينبغي الإقدام على شيء من ذلك إلا لعذر ، براءة للذمة ، واحتياطا للدين .
وثمة أمر آخر لا ينبغي أن تغفل عنه ، وهو إدراك نعمة الله تعالى وفضله في إعطاء الولد ، وهذه النعمة ينبغي أن تقابل بالفرح والشكر والرضا ، ولا يدري الإنسان إن هو أعرض عن هذه النعمة ، هل تعود له بعد ذلك أو لا ؟
ولهذا فنصيحتنا لك هي الإبقاء على الحمل ، وتهيئة النفس لذلك ، واستشعار نعمة الله فيه ، ولعله يكون بابا لسعة الرزق ، المادي والمعنوي ، ومنه الاستقرار النفسي ، والتوافق الزوجي، فإن اخترت الأمر الآخر ، فليكن بعد استخارة الله تعالى ، فإن الإنسان لا يدري أين الخير . ويشترط لذلك رضا الزوجة ؛ لأن لها حقا في الولد ، وقد قرر الفقهاء أن الرجل لا يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها .
والله أعلم .
تعليق