الأحد 23 جمادى الأولى 1446 - 24 نوفمبر 2024
العربية

أحاديث نداء القبر وخطابه أحاديث ضعيفة منكرة

100485

تاريخ النشر : 20-06-2007

المشاهدات : 126399

السؤال

هل حديث : " القبر ينادي خمس مرات المتوفى " حديث صحيح أم ضعيف وليس له أصل ؟ أرجو الرد مدعما بالحديث الصحيح ؛ لأن الموضوع مهم جدا جدا ، ولا نريد أن نكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا السؤال أحمله أمانة في أعناقكم ، وأرجو الرد السريع مع جزيل الشكر .

الجواب

الحمد لله.


جاء في خطاب القبر وندائه وكلامه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم :
الحديث الأول :
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :
( دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُصَلَّاهُ ، فَرَأَى نَاسًا كَأَنَّهُمْ يَكْتَشِرُونَ – يعني : يضحكون - قَالَ : أَمَا إِنَّكُمْ لَوْ أَكْثَرْتُمْ ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ لَشَغَلَكُمْ عَمَّا أَرَى ، فَأَكْثِرُوا مِنْ ذِكْرِ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ الْمَوْتِ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَأْتِ عَلَى الْقَبْرِ يَوْمٌ إِلَّا تَكَلَّمَ فِيهِ فَيَقُولُ : أَنَا بَيْتُ الْغُرْبَةِ ، وَأَنَا بَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَأَنَا بَيْتُ التُّرَابِ ، وَأَنَا بَيْتُ الدُّودِ .
فَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : مَرْحَبًا وَأَهْلًا ، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَحَبَّ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ . قَالَ : فَيَتَّسِعُ لَهُ مَدَّ بَصَرِهِ ، وَيُفْتَحُ لَهُ بَابٌ إِلَى الْجَنَّةِ .
وَإِذَا دُفِنَ الْعَبْدُ الْفَاجِرُ أَوْ الْكَافِرُ قَالَ لَهُ الْقَبْرُ : لَا مَرْحَبًا وَلَا أَهْلًا ، أَمَا إِنْ كُنْتَ لَأَبْغَضَ مَنْ يَمْشِي عَلَى ظَهْرِي إِلَيَّ ، فَإِذْ وُلِّيتُكَ الْيَوْمَ وَصِرْتَ إِلَيَّ فَسَتَرَى صَنِيعِيَ بِكَ . قَالَ : فَيَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى يَلْتَقِيَ عَلَيْهِ وَتَخْتَلِفَ أَضْلَاعُهُ . قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ فَأَدْخَلَ بَعْضَهَا فِي جَوْفِ بَعْضٍ . قَالَ : وَيُقَيِّضُ اللَّهُ لَهُ سَبْعِينَ تِنِّينًا ، لَوْ أَنْ وَاحِدًا مِنْهَا نَفَخَ فِي الْأَرْضِ مَا أَنْبَتَتْ شَيْئًا مَا بَقِيَتْ الدُّنْيَا ، فَيَنْهَشْنَهُ وَيَخْدِشْنَهُ حَتَّى يُفْضَى بِهِ إِلَى الْحِسَابِ .
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّمَا الْقَبْرُ رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ ، أَوْ حُفْرَةٌ مِنْ حُفَرِ النَّارِ )
رواه الترمذي في سننه (2460) والبيهقى فى شعب الإيمان (1/498) من طريق القاسم بن الحكم العرني عن عبيد الله بن الوليد الوصافي عن عطية عن أبي سعيد الخدري به .
وقال الترمذي : حديث غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه .
وهذا سند ضعيف جدا ، فيه عبيد الله بن الوليد الوصافي ، جاء في ترجمته في "تهذيب التهذيب" (7/55): عن أحمد بن حنبل : ليس بمحكم الحديث ، يكتب حديثه للمعرفة .
و قال يحيى بن معين وأبو زرعة وأبو حاتم : ضعيف الحديث . وقال النسائى : متروك الحديث . وقال ابن عدي : ضعيف جدا ، يتبين ضعفه على حديثه . وقال ابن حبان : يروي عن الثقات ما لا يشبه الأثبات ، حتى يسبق إلى القلب أنه المُتَعَمِّد لها ، فاستحق الترك . وقال الحاكم : روى عن محارب أحاديث موضوعة . وقال أبو نعيم الأصبهانى : يحدث عن محارب بالمناكير ، لا شيء " انتهى .
لذلك قال الحافظ العراقي عن هذا الحديث ـ "تخريج الإحياء" (1/400) ـ : " فيه عبيد الله بن الوليد الصافي ضعيف " ، وضعفه السخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269)
وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الضعيفة" (10/749) : " عطية ضعيف مدلس والوصافي ضعيف جدا " انتهى .
وقال في "ضعيف الترمذي" : " ضعيف جدا ، ولكن جملة ( هاذم اللذات ) صحيحة " انتهى .
الحديث الثاني :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ :
( خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنَازَةٍ ، فَجَلَسَ إِلَى قَبْرٍ مِنْهَا ، فَقَالَ : مَا يَأْتِي عَلَى هَذَا الْقَبْرِ مِنْ يَوْمٍ إلا وَهُوَ يُنَادِي بِصَوْتٍ طَلْقٍ ذَلْقٍ : يَا ابْنَ آدَمَ ! كَيْفَ نَسِيتَنِي ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَبَيْتُ الْغُرْبَةِ ، وَبَيتُ الْوَحْشَةِ ، وَبَيْتُ الدُّودِ ، وَبَيْتُ الضِّيقِ ، إلا مَنْ وَسَّعَنِي اللَّهُ عَلَيْهِ )
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (8/273) وفي "المعجم الكبير" في القطعة المفقودة من الثالث عشر برقم (1363) من طريق محمد بن أيوب بن سويد أخبرنا أبي أخبرنا الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة به .
وقال : " لم يرو هذا الحديث عن الأوزاعي إلا أيوب بن سويد تفرد به ابنه " انتهى .
وهذا سند ضعيف جدا ، بسبب محمد بن أيوب بن سويد ، جاء في ترجمته في "ميزان الاعتدال" (3/487) : " ضعفه الدارقطني ، وقال ابن حبان : لا تحل الرواية عنه ، قال أبو زرعة : رأيته قد أدخل في كتب أبيه أشياء موضوعة " انتهى . وانظر "المجروحين" (2/299)
ولذلك قال الحافظ الهيثمي عن هذا الحديث ـ "مجمع الزوائد" (3/165) ـ : " فيه محمد بن أيوب بن سويد وهو ضعيف " انتهى . وضعفه الحافظ ابن حجر في "الكافي الشاف" (62) والسخاوي في "المقاصد الحسنة" (359) والشوكاني في "الفوائد المجموعة" (269) وغيرهم ، وقال الألباني في " السلسلة الضعيفة" (4990) : موضوع .
الحديث الثالث :
عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( يَقُولُ الْقَبْرُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يُوضَعُ فِيهِ : وَيْحَكَ ابْنَ آدَمَ ! مَا غَرَّكَ بِي ؟ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنِّي بَيْتُ الْفِتْنَةِ ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ ، وَبَيْتُ الْوَحْدَةِ ، وَبَيْتُ الدُّودِ ؟ مَا غَرَّكَ بِي إِذَ كُنْتَ تَمُرُّ بِي فَدَّادًا – يعني متبخترا - ؟ فَإِنْ كَانَ مُصْلِحًا أَجَابَ عَنْهُ مُجِيبُ الْقَبْرِ ، فَيَقُولُ : أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ ؟ فَيَقُولُ الْقَبْرُ : إِذَنْ أَعُودُ إِلَيْهِ خَضْرَاءَ ، وَيَعُودُ جَسَدُهُ نُورًا ، وَيَصْعَدُ رُوحُهُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ )
أخرجه ابن أبي الدنيا في "التواضع والخمول" (1/281) ، وابن أبى عاصم فى "الآحاد والمثاني" (4/371) ، وأبو يعلى (12/285) والطبرانى (22/377) ، وأبو نعيم فى "الحلية" (6/90)
جميعهم من طريق أبي بكر بن أبي مريم عن هيثم بن مالك عن عبد الرحمن بن عائذ الأزدي عن أبي الحجاج الثمالي رضي الله عنه به .
وهذا سند ضعيف بسبب أبي بكر بن عبد الله بن أبي مريم ، قال فيه أحمد : ليس بشيء ، وقال أبو زرعة : منكر الحديث . وقال أبو حاتم والنسائي والدارقطني : ضعيف . وقال ابن حبان : كان من خيار أهل الشام ، ولكن كان رديء الحفظ ، يحدث بالشىء فَيَهِم ، ويكثر ذلك ، حتى استحق الترك . انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (12/29)
لذلك قال الهيثمى (3/164) : " فيه أبو بكر بن أبى مريم ، وفيه ضعف لاختلاطه " انتهى .
وقال الحافظ العراقي في "تخريج الإحياء" (5/252) : إسناده ضعيف . وقال الذهبي في "العلو" (29): " هذا حديث غريب ، وابن أبي مريم ضعيف من قبل حفظه " انتهى .
الخلاصة :
أنه لم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في نداء القبر شيء ، والأحاديث التي جاءت بذلك منكرة شديدة الضعف ، مع أنه ليس في شيء مما وقفنا عليه منها تقييد ذلك النداء بخمس مرات ، إنما فيه مطلق النداء ، والله أعلم .
وقد ورد في كلام بعض السلف من المواعظ شيء فيه نداء القبر وخطابه :
فأخرج ابن عبد البر في "التمهيد" (18/145) عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال :
" إن القبر يكلم العبد إذا وضع فيه فيقول : يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ ألم تعلم أني بيت الوحدة ؟ ألم تعلم أني بيت الظلمة ؟ ألم تعلم أني بيت الحق ؟ يا ابن آدم ! ما غرك بي ؟ ! لقد كنت تمشي حولي فدادا – يعني : متبخترا – " انتهى .
وأخرج البيهقي في "شعب الإيمان" (1/360) : عن بلال بن سعد قال :
" ينادي القبر كل يوم : أنا بيت الغربة ، وبيت الدود والوحشة ، وأنا حفرة من حفر النار أو روضة من رياض الجنة " انتهى .
وأخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (7/165) وهناد في "الزهد" (209) وأبو نعيم في "الحلية" (3/271) من كلام عبيد بن عمير ، وهو من كبار التابعين الثقات ، أخرج له أصحاب الكتب الستة ، توفي سنة (68هـ) قال :
" إن القبر ليقول : يا بن آدم ! ماذا أعددت لي ؟! ألم تعلم أني بيت الغربة ، وبيت الوحدة ، وبيت الأكلة ، وبيت الدود " انتهى .
والذي يظهر أن هذا الكلام ممن قاله من السلف ، إنما هو ـ والله أعلم ـ من باب الوعظ والتخويف ، وحكاية لسان حال القبر وحال المعرض الغافل ، يقصدون به تذكير الناس والتأثير البليغ فيهم ، لا أنه ينطق بذلك فعلا ، وإن كان ذلك ـ لو ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم ، غير مستنكر ولا بعيد .
يقول الحافظ ابن الجوزي في "بستان الواعظين ورياض السامعين" (181) :
" عباد الله ! ما من أحد - لا مؤمن ولا فاجر - إلا وقبره يناديه بكرة وعشية : إما بالبشرى والسرور ، وإما بالويل والثبور ، فمن فكر فيه وفي وحشته ، وضيقه وغمته ، كان عليه أوسع من الدنيا ، وأفرج منها ، وأبدله الله خيرا من داره ، وأهلا خيرا من أهله ، وجعل القبر خيرا من داره ، فأكثروا ذكره في الآناء والأوقات ، وأطيعوا جبار الأرضين والسموات ، عساه يجعله لكم روضة من رياض الجنات ، ويقيكم فيه الذل والحسرات .
فاللهَ اللهَ ، جدوا في العمل ، فإن القبر أمامكم ، والموت يطلبكم ، يفرق ما جمعتم ، ويخرب ما قد بنيتم بقطع الأنفاس ، وينقلكم إلى ضيق اللحود والأرماس ، فمن قدم إلى القبر عملا صالحا وجده روضة من رياض الجنان ، ومن لم يكن له عمل وجده حفره من حفر النيران ، فاستعدوا له يا معشر الأصحاب والإخوان " انتهى .
فينبغي لمن أراد أن يذكر شيئا قريبا من كلامهم ألا ينسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، بل يحكيه على أنه من لسان حال القبر ، وكأن القبر لو قدر له أن ينطق لصاح بهذا الخطاب ، وبهذا يتحقق المقصود من الموعظة ، ويسلم المرء من إثم التقول على رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب