الحمد لله.
أولا :
نسأل الله تعالى أن يوفق هذه الفتاة ، وأن يهديها ، وأن يشرح صدرها للإسلام ، وينور قلبها بنور الإيمان ، وننصحها أن تعجل بذلك ، وألا تتردد ، وأن تعلن إسلامها فيما بينها وبين خالقها ، فتتشهد شهادة الإسلام ، وتفعل ما تستطيع من شرائعه .
ثانيا :
يلزم المسلم أداء خمس صلوات في اليوم والليلة ، ولا يجوز ترك شيء منها ، مهما كان عذره ، ما دام عقله معه .
وإذا كانت هذه الفتاة لا تستطيع أن تصلي المغرب والعشاء والفجر خوفا من اطلاع أهلها على إسلامها ، فإنها لا تدع الصلاة ، ولكن يمكنها فعل ما يلي :
1- أن تجمع المغرب والعشاء تقديما أو تأخيرا ، وأن تصليهما سرا . والجهر فيما يجهر فيه بالقراءة كالفجر والمغرب والعشاء سنة لا واجب ، وكذلك رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام وعند تكبيرات الانتقال ، ووضع اليمني على اليسرى أثناء القيام ، كل ذلك من السنن .
2- أن تقتصر على فعل الأركان والواجبات ، فتقتصر على قراءة الفاتحة ، ولا تقرأ سورة بعدها ، وتكتفي بتسبيحة في الركوع والسجود ، وبهذا يمكنها أداء الصلاة في دقائق معدودة ، ولا تعجز الفتاة غالبا عن إغلاق باب غرفتها عليها دقائق معدودة ، كأنها تبدل ملابسها أو تصلح من شأنها ، فتصلي فرضها في هذا الوقت .
3- إذا أرادت الوضوء ، فإنها تتوضأ في دورة المياه ، بعيداً عن العيون ، كأنها تقضي حاجتها ، فإن عجزت عن الوضوء جاز لها التيمم ، ولو على الجدار أو فرش المنزل ، وتصلي بهذا التيمم .
4- إذا فُرض أنها لا يمكن أن تختفي عن أعين أهلها دقائق تؤدي فيها الصلاة ، وخشيت من اطلاعهم على إسلامها مضرة معتبرة ، جاز لها أن تصلي قاعدة ، وتومئ بالركوع والسجود ، فإن لم يمكن ذلك صلت قاعدة ، تنوي الركوع والسجود بقلبها ، وتستقبل القبلة ، فإن تعذر الاستقبال صلت إلى أي جهة . ولو فرض أنه لا يمكنها أداء الصلاة إلا مستلقية ، فعلت ذلك ، والمقصود أن الصلاة لا تسقط عن المكلف بحال .
والأصل فيما ذكرنا : قوله تعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : ( صَلِّ قَائِمًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري (1117) وأبو داود (952) .
وقد ذكر الفقهاء حالات يسقط فيها استقبال القبلة والركوع والسجود ، كحالة الهرب من سبع أو سيل أو التحام القتال ، إذا لم يبق متسع من الوقت لفعل الصلاة بتمام أركانها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/258) : " وجملة ذلك أنه إذا اشتد الخوف , بحيث لا يتمكن من الصلاة إلى القبلة , أو احتاج إلى المشي , أو عجز عن بعض أركان الصلاة ; إما لهرب مباحٍ من عدو , أو سيل , أو سبُع , أو حريق , أو نحو ذلك , مما لا يمكنه التخلص منه إلا بالهرب , أو المسايفة , أو التحام الحرب , والحاجة إلى الكر والفر والطعن والضرب والمطاردة , فله أن يصلي على حسب حاله , راجلا وراكبا إلى القبلة إن أمكن , أو إلى غيرها إن لم يمكن .
وإذا عجز عن الركوع والسجود , أوْمأ بهما , وينحني إلى السجود أكثر من الركوع على قدر طاقته . وإن عجز عن الإيماء , سقط , وإن عجز عن القيام أو القعود أو غيرهما , سقط , وإن احتاج إلى الطعن والضرب والكر والفر , فعل ذلك . ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ; لقول الله تعالى : فإن خفتم فرجالا أو ركبانا . وروى مالك , عن نافع , عن ابن عمر , قال : فإن كان خوفا هو أشد من ذلك صلوا رجالا , قياما على أقدامهم , أو ركبانا , مستقبلي القبلة وغير مستقبليها . قال نافع : لا أرى ابن عمر حدثه إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
بل نص الفقهاء على ذلك في شأن الأسير ومن يخاف معرفة إسلامه ، فإنه يصلي
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/140) : " . وإن هرب من العدو هربا مباحا , أو من سيل , أو سبع , أو حريق لا يمكنه التخلص منه بدون الهرب . فله أن يصلي صلاة شدة الخوف , سواء خاف على نفسه , أو ماله , أو أهله . والأسير إذا خافهم على نفسه إن صلى , والمختفي في موضع , يصليان كيفما أمكنهما . نص عليه أحمد في الأسير . ولو كان المختفي قاعدا لا يمكنه القيام , أو مضجعا لا يمكنه القعود , ولا الحركة , صلى على حسب حاله . وهذا قول محمد بن الحسن . وقال الشافعي : يصلي ويعيد . وليس بصحيح ; لأنه خائف صلى على حسب ما يمكنه , فلم تلزمه الإعادة كالهارب . ولا فرق بين الحضر والسفر في هذا ; لأن المبيح خوف الهلاك , وقد تساويا فيه .
ومتى أمكن التخلص بدون ذلك , كالهارب من السيل يصعد إلى ربوة , والخائف من العدو يمكنه دخول حصن يأمن فيه صوْلة العدو , ولحوق الضرر , فيصلي فيه , ثم يخرج , لم يكن له أن يصلي صلاة شدة الخوف ; لأنها إنما أبيحت للضرورة , فاختصت بوجود الضرورة " انتهى.
والحاصل أن هذه الفتاة يلزمها أداء الصلوات الخمس ، ولا يجوز لها ترك شيء منها ، ولكنها تؤدي الصلاة على الكيفية التي تستطيعها ، ومن ذلك أن تصلي صلاة شدة الخوف إن اضطرت لذلك .
والله أعلم .
تعليق