الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم النكاح والطلاق على الورق بقصد الإقامة في بلاد الكفر

103432

تاريخ النشر : 20-07-2007

المشاهدات : 85370

السؤال

ما رأي فضيلتكم في شخص قام بتطليق زوجته إداريّاً فقط ، أي : قام باستخراج ورقة الطلاق من المصالح المعنية ، دون أن يطلقها طلاقاً حقيقيّاً ، أي : دون أن يتلفظ بكلمة الطلاق ، وهذا بقصد أن يستخدم ورقة الطلاق تلك للزواج من فتاة أوربية للحصول على وثائق الإقامة ، وبعد أن يتم له ذلك يطلق هذه الأخيرة ، ويعيد العقد على الزوجة الأولى .
فما رأي الشرع في مثل هذا العمل ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:
النكاح هو الميثاق الغليظ ، وهو من أحكام الشرع العظيمة ، تستباح به الفروج ، وتثبت به الحقوق كالمهر والميراث ، وينتسب الأولاد به لأبيهم ، إلى غير ذلك من الأحكام .
وبالطلاق تحرم المرأة على زوجها ، وتُحرم من الميراث ، وتحل لغير ذلك الزوج ، بشروط معروفة ، وغرضنا من هذا البيان : تنبيه المسلمين إلى ضرورة عدم استعمال هذين العقدين في غير ما شرع الله تعالى ، وعدم اتخاذهما هزوا ولعباً ، وقد رأينا – وللأسف – من يعقد على امرأة لا ليباح له منها ما كان يحرم عليه من الاستمتاع ، ولا ليُكَوِّن معها أسرة – كما هو حال العقد الشرعي – بل ليتوصل به لغرض دنيوي ، كتسجيل أرض ، أو استخراج رخصة محل ، أو الحصول على إقامة ، أو ليمكّن المرأة من السفر خارج بلدها ، وكل ذلك لا يكون فيه الرجل زوجاً حقيقيا ، ولا تكون المرأة زوجة حقيقية ، بل هو زواج صوري ! حبر على ورق ! وهذا من اللعب والعبث بأحكام الشرع ، لا يحل فعله ، ولا المساهمة في إنشائه ، ويتعين المنع منه في حال أن يراد التوصل به لأمرٍ محرَّم كمن يفعل ذلك من أجل الإقامة في دولة غير مسلمة .
وقل مثل ذلك في الطلاق ، فهو حكم شرعي ، لا يجوز لأحدٍ الهزل به ، ولا العبث بأحكامه ، ويسمون ذلك ” الطلاق الصوري ” ! حبر على ورق !
وليعلم هؤلاء جميعاً أنهم آثمون بفعلهم هذا ، فلم يشرع الله تعالى النكاح والطلاق لتكون الزوجة اسماً على عقد ، ليس لها أحكام ، وليس عليها حقوق ، وليعلموا أن هذا النكاح تثبت أحكامه بمجرد العقد ، إن تمت شروطه وأركانه – وإن فَقَدَ منها شيئاً فهو باطل – وأن الطلاق من الزوج يقع على زوجته بمجرد التلفظ به ، فليس في الشرع نكاح صوري ، ولا طلاق صوري ، وأن الإثم يزيد على فاعلهما لو قصدا التوصل إلى فعل محرَّم أصلاً ، كمن يتوصل به للتهرب من حقوق الناس وديونهم ، ولتتوصل المرأة من أخذ إعانة مطلقة من دولة أو مؤسسة ، أو ليتوصل به لأن يقيم في دولة غير مسلمة يحرم عليها الإقامة فيها ، وغير ذلك من المقاصد الباطلة المحرَّمة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
“الشارع منع أن تتخذ آيات الله هزواً ، وأن يتكلم الرجل بآيات الله التي هي العقود إلا على وجه الجد الذي يقصد به موجباتها الشرعية ، ولهذا ينهى عن الهزل بها ، وعن التلجئة ، كما ينهى عن التحليل ، وقد دل على ذلك قوله سبحانه : ( ولا تتخذوا آيات الله هزوا ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ما بال أقوام يلعبون بحدود الله ويستهزؤن بآياته ، طلقتك ، راجعتك ، طلقتك ، راجعتك ) فعلم أن اللعب بها حرام “انتهى .
” الفتاوى الكبرى ” ( 6 / 65 ) .
وعليه :
فإذا تزوج رجل امرأةً تحل له ، وكان ذلك وفق الشروط الشرعية ، وقيام الأركان وخلو الموانع : فإنه نكاح صحيح تترتب عليه آثاره .
وإذا طلَّق الرجل امرأته لفظاً ، وقع طلاقه ، ولو كان لا يقصد به إنفاذ الطلاق .
وأما التطليق بالكتابة من غير لفظ ففيه تفصيل سبق بيانه في جواب السؤال رقم (72291) .
ثانياً:
الزواج من تلك الأوربية بقصد الحصول على الإقامة ثم يطلقها بعد ذلك ، فعل محرَّم ، وقد ذكرنا فتوى الشيخ عبد العزيز بن باز في تحريم هذا الفعل في جواب السؤال رقم: (2886) .
وهو إن تزوجها من غير إتمام شروط النكاح ، كالزواج من غير ولي ، أو مع وجود مانع من صحة النكاح ، كأن تكون زانية ولم تتب ، أو تكون غير كتابية : فنكاحه لها محرَّم ، وهو باطل .
وإن تزوجها زواجاً تامة أركانه وشروطه ، وخاليا من الموانع : فزواجه صحيح ، وتترتب عليه آثاره ، وتحرم عليه نيته .
ثالثاً:
في تلك الأفعال القبيحة من الحصول على ورقة طلاق للزوجة الأولى ، والتزوج بثانية من أجل الإقامة ثم تطليقها : محذوران آخران :
الأول : التحايل ، والكذب ، وشهادة الزور ، فهو يتحايل على الدولة ويخدعها من أجل الحصول على الجنسية ، وهذا محرم .
والثاني : أنه يريد التوصل بالطلاق والزواج الصوريين للإقامة في بلاد الكفار ، وقد جاء في ديننا النهي عن الإقامة بين الكفار لغير حاجة ، لما في ذلك من الخطر العظيم على الدين والأخلاق ، وعلى الفرد والأسرة .
فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أَنَا بَرِيءٌ مِن كُلِّ مُسلِمٍ يُقِيمُ بَينَ أَظهُرِ المُشرِكِينَ ) رواه أبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
وقد سبق تقرير ذلك في جواب السؤال رقم : (27211 ).
فالذي ننصح به إخواننا هو أن يتقوا الله تعالى في العقود الشرعية ، وأن لا يتخذوها مطايا لغايات دنيوية ، وأولى أن يمتنعوا إن كانت الغايات محرَّمة ، وليتقوا الله تعالى في زوجاتهم ، وأولادهم ، وليتأملوا فيما يمكن أن تسببه أفعالهم في إيقاعهم في الحرج الشديد ، أو الحرمان من الحقوق ، وغير ذلك من المفاسد المترتبة على مباشرة تلك العقود بتلك الصور الفاسدة .
والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب