الحمد لله.
وبعد ، فالعلم الشرعي منه ما هو فرض على كل واحد من المكلفين ، ويسمى فرض العين ، وضابطه : أن يتوقف عليه معرفة عبادةٍ من العبادات التي يكلف بها ، أو معاملة يريد القيام بها .
ومنه ما هو مفروض على مجموع الأمة ؛ إذا أداه بعضها على الوجه المراد سقط الطلب عن الباقين ، وإلا أثم جميع القادرين على القيام به ، ويسمى هذا فرض الكفاية .
وحفظ القرآن والحديث هو من النوع الثاني ، فيجب على الأمة أن تحفظ كتاب الله تعالى وحديث رسوله ، إما في الصدور وإما في السطور ، بحيث لا يضيع شيء من مصدري التشريع، قال الإمام النووي رحمه الله في مقدمة شرح المهذب (1/51): " القسم الثاني –أي من أقسام العلم الشرعي- فرض الكفاية وهو تحصيل ما لا بد للناس منه في إقامة دينهم من العلوم الشرعية كحفظ القرآن والحديث وعلومهما والأصول ...". إلى آخر ما قاله رحمه الله.
أما ما يجب حفظه من القرآن والحديث وجوباً عينياً – أي على كل مكلف من المسلمين - فإنه لا يجب حفظ شيء من ذلك، حفظ صدر بل يجب عليه تعلم ما لا تصح الصلاة إلا به فالفاتحة يجب على كل ملكف أن يتعلمها أي يحسن قراءتها فإن حفظها فذاك أمر حسن وإن لم يحفظها في صدره وجب عليه أن يقرأها من مصحف أو ورقة ونحوها.
قال النووي في المجموع (3/335): " قال أصحابنا : إذا لم يقدر على قراءة الفاتحة وجب عليه تحصيل القدر بتعلم , أو تحصيل مصحف يقرؤها فيه بشراء أو إجارة أو إعارة , فإن كان في ليل أو ظلمة لزمه تحصيل السراج عند الإمكان , فلو امتنع من ذلك عند الإمكان أثم ولزمه إعادة كل صلاة صلاها قبل قراءة الفاتحة , ودليلنا : القاعدة المشهورة في الأصول والفروع : أن ما لا يتم الواجب إلا به وهو مقدور للمكلف , فهو واجب " انتهى .
وفي كشاف القناع ، للبهوتي رحمه الله (1/34) : " ( ويلزم الجاهل ) يعني من لم يحسن الفاتحة ( تعلمها ) لأنها واجبة في الصلاة , فلزمه تحصيلها إذا أمكنه كشروطها ( فإن لم يفعل ) أي : لم يتعلم الفاتحة ( مع القدرة عليه لم تصح صلاته ) لتركه الفرض وهو قادر عليه " انتهى .
وقال مصطفى الرحيباني الحنبلي في مطالب أولى النهى (1/432): " ويلزم جاهلا تعلم الفاتحة لأنها واجبة في الصلاة , فلزم تحصيلها إذا أمكنه كشروطها " انتهى .
والحديث كذلك ؛ فإنه لا يجب على المسلم والمسلمة المكلفين حفظ شيء منه ، لكن يجب تعلم ما لا تصح الصلاة إلا به ، كالحديث الذي ورد في بيان لفظ التشهد في الصلاة . قال ابن قدامة رحمه الله في المغني (1/ 315 ): " أقل ما يجزئ التحيات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أو أن محمداً رسول الله." انتهى.
والله أعلم.
تعليق