الحمد لله.
أولا :
رغبتك في الزواج من هذه الفتاة لإعانتها على الحياة الإسلامية ، أمر محمود يرجى لك به الأجر والثواب من الله تعالى ، وهو من باب التعاون على البر والتقوى ، والحفاظ على المسلمة ، أن تؤذى في نفسها ، أو تفتن في دينها ، وهو ـ أيضا ـ من تمام موالاة المسلم لأخيه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ ) رواه أبو داود (4918) وحسنه الألباني .
والمعنى أنه يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه , يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة . [ انظر : عون المعبود ].
وعن عبد الله بن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يُسْلِمُهُ وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) رواه البخاري (2442) ومسلم (2580) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : َقَوْله : " وَلَا يُسْلِمُهُ " أَيْ لَا يَتْرُكُهُ مَعَ مَنْ يُؤْذِيه وَلَا فِيمَا يُؤْذِيه , بَلْ يَنْصُرُهُ وَيَدْفَعُ عَنْهُ , وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا وَقَدْ يَكُونُ مَنْدُوبًا بِحَسَبِ اِخْتِلَاف الْأَحْوَالِ , وَزَادَ الطَّبَرَانِيّ مِنْ طَرِيق أُخْرَى عَنْ سَالِم " وَلَا يُسْلِمُهُ فِي مُصِيبَةٍ نَزَلَتْ بِهِ " .
انتهى من فتح الباري مختصرا .
لكن ينبغي أولا أن تحتال لإقناع أسرتها بهذا الزواج ، وألا تقابل تشددهما بتشدد مثله ، بل حاول أن تلين لهم الكلام ، وتحسن إليهم في المعاملة والصلة ، واحتسب ما تنفقه من أجل إنقاذ المسلمة من الأذى الذي يحيط بها .
وإذا لم يمكن إقناعهما ، فبالإمكان أن تعقدا نكاحكما في المحكمة الشرعية ، في الدولة التي تعملان فيها ، وأن تبتعد أنت وزوجك عن مكان الخطر الذي يتوقع أن يلحق بك أو بها ، من جراء هذا الزواج ، مع أنه من الممكن أن تستغلا عملكما في الخارج ، وتكثرا من الصلة لأهلها بالمال والهدايا ، لعل الله أن يلين قلوبهم لكما ، أو على الأقل أن تتقي شرورهم بذلك .
على أنه يلزمك أن تستصلح قلب والديك للموافقة على هذا الزواج ، وما فيه من الخير والأجر إن شاء الله ، فإن قدر أنهما لم يقتنعا قبل إتمامه ، فسوف تتضاعف مسؤوليتك في استصلاح قلوب أهلك وأهلها ، لكن نرجو الله عز وجل أن يجعل لكما فرجا ومخرجا ، ببركة النية الصالحة ، والرغبة في الخير الذي تقدمان عليه .
وهذا كله ، فيما إذا كانت الأخطار التي تتحدث عنها أسرتك ، هي مجرد هواجس وظنون
لكن إذا كان والداك لا يرغبان في هذا الزواج ويتخوفان من عاقبته عليك أو على بقية الأسرة ، وكانت المخاوف المذكورة لا حقيقة لها ، وإنما هي مجرد هواجس وظنون ، كما بدا لنا من رسالتك .
وأما أن كانت الأخطار محققة ، عليك ، أو على أسرتك ، أو على الفتاة ، والتجارب في بلادكم لعلها تعطيك مؤشرا لذلك ، فلا ننصحك أن تحمل نفسك من البلاء فوق ما تطيق ، وهي ـ إن كانت صادقة مع الله ، فسوف يجعل لها فرجا ومخرجا ، ولتصبر ولتحتسب :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ) لأنفال/29
نسأل الله أن ييسر لكما أمركما ، وأن يحفظكما من كل مكروه وسوء .
والله أعلم .
تعليق