الحمد لله.
أخذ الرشوة عمل محرم ، وهو من كبائر الذنوب ، لما جاء فيه من الوعيد واللعن ، فقد روى أبو داود (3580) والترمذي (1337) وابن ماجه (2313) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنه قَالَ : (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي) . وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .
والواجب على من وقع في الرشوة أن يتوب إلى الله تعالى ، فيقلع عنها ، ويعزم على عدم العود إليها ، ويندم على ما فات .
وهل يلزمه رد الرشاوى إلى أصحابها ؟ في ذلك تفصيل :
1- إن كان دافع الرشوة إنما دفعها ليتوصل بها إلى حق له ، فيلزم رد ماله إليه ؛ لأنه مال مأخوذ بالباطل والظلم والتعدي .
2- وإن كان قد دفع الرشوة ليتوصل بها إلى غير حقه ، وقد حصل له ذلك ، فإن الرشوة لا ترد إليه ؛ حتى لا يجمع بين العوضين ، بين الوصل إلى غرضه ومنفعته – التي لا تحق له – وبين عودة ماله إليه . ويلزم التائب حينئذ أن يتخلص من الرشاوى التي لا تزال بيده ، بإنفاقها على الفقراء والمساكين أو في المصالح العامة ونحو ذلك من أوجه الخير .
قال ابن القيم رحمه الله : " إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض ، كالزانية والمغنى وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده .
فقالت طائفة : يرده إلى مالكه ؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل
لصاحبه في مقابلته نفع مباح .
وقالت طائفة : بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وهو أصوب القولين ... ". انتهى من "مدارج السالكين" (1/389).
وفي حال وجوب رد الرشوة إلى صاحبها ، وتعذر الوصول إليه ، لعدم العلم بمكانه ، أو لوفاته وعدم العلم بورثته ، بعد البحث والتحري ، فإنك تتصدق بالمال على نية صاحبه .
والتخلص من الرشوة يكون بإعطائها للفقراء والمساكين وبذلها في المصالح العامة كما سبق ، ولو أعطيتها لمن يحتاج إلى الزواج ، ليستعين بها في زواجه ، فهذا حسن ، وكذلك لو أقمت بها مشروعا لأحد الشباب المحتاجين .
وما كان من الرشاوى العينية ، فإنك تتخلص منه ، أو تبيعه وتخرج ثمنه ، ولو احتفظت به وأخرجت قيمته فلا بأس .
وإذا ترتب على أخذ الرشوة ضياع حق لإنسان ، لزم رد الحق إليه أو التحلل منه ، لأن الذنب إذا تعلق بحقوق العباد لم تتم التوبة منه إلا بذلك .
قال النووي رحمه الله : " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33 .
وينظر جواب السؤال رقم (65649)
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .
تعليق