الحمد لله.
أولا :
نسأل الله تعالى أن يشفي صديقك ويعافيه ، ويرزقه الصبر واحتساب الأجر ، وأن يجزيه خيرا على تعففه وحرصه على صيانة ماء وجهه وتنزهه عن سؤال الناس .
ثانيا :
التداوي مشروع من حيث الجملة ، لما روى أسامة بن شريك رضي الله عنه قال : قالت الأعراب : يا رسول الله ، ألا نتداوى ؟ قال : ( تداووا ، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء إلا داء واحد . قالوا : يا رسول الله وما هو ؟ قال : الهرم ) أخرجه الترمذي (1961) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثالثا :
اختلف العلماء في حكم التداوي ، فذهب جمهورهم إلى عدم وجوبه ، وذهب جماعة منهم إلى وجوبه إذا خشي الإنسان على نفسه التلف بتركه .
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " ليس بواجب عند جماهير الأئمة ، إنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب الشافعي وأحمد " نقله السفاريني في "غذاء الألباب" (1/459) .
وقال في "تحفة المحتاج" (3/182) : " ونقل عياض الإجماع على عدم وجوبه ، واعتُرض بأن لنا وجهاً بوجوبه إذا كان به جرح يخاف منه التلف" انتهى .
وفي حاشيته : "عن البغوي أنه إذا علم الشفاء في المداواة وجبت " انتهى .
وفي حاشية قليوبي وعميرة" (1/403) : " وقال الإسنوي : يحرم تركه في نحو جرح يظن فيه التلف" انتهى .
وهذا يؤخذ منه أن الدواء إذا تُيقن نفعه وكان المرض مما يخشى منه التلف ، وجب التداوي ، فيدخل في ذلك إيقاف النزيف ، وخياطة الجروح ، وبتر العضو التالف المؤدي إلى تلف بقية البدن ، ونحو ذلك مما يجزم الأطباء بنفعه وضرورته ، وأن تركه يؤدي إلى التلف أو الهلاك.
وقد أخذ مجمع الفقه الإسلامي بالقول بوجوب التداوي إذا كان تركه يفضي إلى تلف النفس أو أحد الأعضاء أو العجز ، أو كان المرض ينتقل ضرره إلى غيره ، كالأمراض المعدية . انظر نص قرار المجمع في جواب السؤال رقم (2148)
وأما زراعة الكلية فليس مما يتقين نفعه ، فلا يجب ، ولا يكون تارك ذلك آثما ولا منتحرا ، لكن يستحب لمن ابتلي بذلك أن يسعى في العلاج بالزراعة إن تيسرت أو بغيرها مما أنزل الله من الدواء .
رابعا :
لا حرج على صاحبك أن يقدم طلب مساعدة من الدولة ، فليس هذا من المسألة المذمومة ؛ لما روى الترمذي (681) والنسائي (2600) عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنْ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ ) وصححه الترمذي والألباني في صحيح الترمذي .
ورواه أبو داود (1639) بلفظ : ( الْمَسَائِلُ كُدُوحٌ يَكْدَحُ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، فَمَنْ شَاءَ أَبْقَى عَلَى وَجْهِهِ ، وَمَنْ شَاءَ تَرَكَ ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ ذَا سُلْطَانٍ ، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا يَجِدُ مِنْهُ بُدًّا ) .
قال في "سبل السلام" (1/548) : " كد أي خدش وهو الأثر ، وأما سؤاله من السلطان فإنه لا مذمة فيه ; لأنه إنما يسأل مما هو حق له في بيت المال ، ولا منّة للسلطان على السائل ; لأنه وكيل ، فهو كسؤال الإنسان وكيله أن يعطيه من حقه الذي لديه " انتهى .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم شحذ الناس، أرجو التفصيل، متى يجوز ومتى لا يجوز؟
فأجابوا : "تحرم المسألة إلا من سلطان ، أو في أمر لا بد منه ؛ كإصابة المسلم بحاجة تحمله حمالة ونحو ذلك ، قال عليه الصلاة والسلام : ( المسألة كد يكد بها الرجل وجهه ، إلا أن يسأل الرجل سلطانا أو في أمر لا بد منه ) ، وقال صلى الله عليه وسلم لقبيصة : ( إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة : رجل تحمّل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك ، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى من قومه : لقد أصابت فلانا حاجة ، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش ، -أو قال- سدادا من عيش ، فما سواهن من المسألة يا قبيصة فسحت يأكله صاحبه سحتا ) رواه مسلم .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز... عبد الرزاق عفيفي ... عبد الله بن قعود " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/76) .
وحديث قبيصة فيه تفسير الأمر الذي لابد منه ، ودل هو وحديث سمرة على أن المسألة تباح في حالتين : سؤال ذي السلطان ، والسؤال في الأمر الذي لابد منه .
والله أعلم .
تعليق