الحمد لله.
إن ما ذكرتِ من سوء المعاملة ، وقبح العشرة ، لشيء محزن مؤلم ، يدل على ضعف الإيمان ، وفساد التربية ، ونقص الرجولة ، وإنه لعار على الرجل أن تكون هذه أخلاقه مع زوجته التي لم يمكث معها إلا نحوا من شهرين.
وقد يتزوج الرجل المرأة فلا يحصل بينهما انسجام ومودة ، فيشرع له أن يفارقها بإحسان ، وأما اللجوء إلى الضرب أو الإذلال وسوء المعاملة فهذا مما لا يباح شرعا ، وفاعل ذلك آثم متعد على حدود الله .
وإذا كان سوء المعاملة من قبله ، فليس له أن يلجئ زوجته إلى الخلع لتفتدي منه بالمهر أو غيره .
ولا نرى أن يُجاب إلى هذا الطلب ، لأن هذا مما يجرئ الأزواج من سيئي العشرة أمثاله على التمادي في أفعالهم ، لأنه لا يجد خسارة في الزواج ولا كلفة ، مادام مهره سيرجع إليه .
وإن من حقك أن تطالبي بما هو مسجل في القائمة وأن تلجئي إلى القضاء لإنصافك ، فإن أظهر الرجوع والندم ، وغلب على ظنك استقامة حاله فهذا هو المطلوب ، وإلا فخذي حقك ولا تتنازلي عنه .
ونحن نشير هنا إلى أن الزوج قد يكون له أسباب وأعذار في بعض تصرفاته ، وقد يشعر بالندم ، ويدرك خطأه ، فإن بعض الأزواج يظن أن هذا هو الأسلوب الذي يحفظ هيبته في مبدأ الزواج ، وهو ظن خاطيء . لكن المقصود أن الزوج إن وجد من يعظه وينصحه ، فربما عاد إلى رشده ، وأدرك خطأه ، وتغير حاله ، فلا تدعي هذا الباب ، فإن الطلاق قد لا يكون مصلحة لك . فابحثي عمن يوجه له النصيحة ، ويبين له الصواب ، ولا تلجئي إلى القضاء إلا في نهاية المطاف .
وينظر – للاستزادة - : جوابي السؤالين : ( 41199 ) و ( 10680 ) .
ولعل الله تعالى ابتلاك بهذا المصاب لترجعي إليه ، وتحسني صلتك به ، وتقبلي على طاعته ، ولهذا ينبغي أن تحافظي على صلاتك وحجابك ، وتدعي كل ما يخالف أمر خالقك .
قال سبحانه : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل/97، وقال : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2، 3
وقال > عليه وسلم : (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيُحْرَمُ الرِّزْقَ بِالذَّنْبِ يُصِيبُهُ) رواه ابن ماجه (4022) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وتأملي معنا وصية النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عمه عبد الله بن عباس :
( احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ ، احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ ، وَإِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، قَدْ جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ ؛ فَلَوْ أَنَّ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ جَمِيعًا أَرَادُوا أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ، وَإِنْ أَرَادُوا أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللَّهُ عَلَيْكَ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ ؛ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي الصَّبْرِ عَلَى مَا تَكْرَهُ خَيْرًا كَثِيرًا ، وَأَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا ) .
رواه أحمد (2800) والترمذي (2516) ، وصححه الألباني .
فاحفظي وصية النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي لك ـ أنت ـ أيضا ، ولا تضيعيها .
نسأل الله تعالى أن يحفظك من كل مكروه وسوء ، وأن ييسر أمرك ، ويفرج كربك ، ويقضي لك الخير حيث كان .
والله أعلم .
تعليق