الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

الحكمة من النهي عن إفراد الجمعة بالصوم

السؤال

هل صيام النفل ليوم منفرد لا يجوز في الإسلام، وأن الواجب إقرانه بيوم آخر على الأقل بعلة مخالفة اليهود الذين يصومون يومًا منفردًا ؟ أرى أن تلك العلة غير وجيهة ، فما رأيكم ؟

الجواب

الحمد لله.

إفراد يوم بصيام النفل جائز ، إلا إذا كان اليوم هو الجمعة ، أو السبت ، أو كان يوم عاشوراء وهو العاشر من محرم ، فيستحب صيام قبله أو بعده .
وأما يوم الأحد أو الاثنين أو الثلاثاء أو الأربعاء أو الخميس فلا حرج في صومه على الانفراد، بل من السنة صوم الاثنين والخميس .
روى البخاري (1985) ومسلم (1144) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( لَا يَصُومَنَّ أَحَدُكُمْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَّا يَوْمًا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ ) .
وفي رواية لمسلم : ( وَلَا تَخُصُّوا يَوْم الْجُمُعَة بِصِيَامٍ مِنْ بَيْن الْأَيَّام , إِلَّا أَنْ يَكُون فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ ) .
قال النووي رحمه الله : " وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيث الدَّلَالَة الظَّاهِرَة لِقَوْلِ جُمْهُور أَصْحَاب الشَّافِعِيّ وَمُوَافِقِيهِمْ , وَأَنَّهُ يُكْرَه إِفْرَاد يَوْم الْجُمُعَة بِالصَّوْمِ إِلَّا أَنْ يُوَافِقَ عَادَةً لَهُ , فَإِنْ وَصَلَهُ بِيَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ , أَوْ وَافَقَ عَادَةً لَهُ بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَصُومَ يَوْمَ شِفَاءِ مَرِيضِهِ أَبَدًا , فَوَافَقَ يَوْم الْجُمُعَة لَمْ يُكْرَهْ ; لِهَذِهِ الْأَحَادِيث ...
قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْهُ : أَنَّ يَوْم الْجُمُعَة يَوْم دُعَاء وَذِكْرٍ وَعِبَادَةٍ : مِنْ الْغُسْل وَالتَّبْكِير إِلَى الصَّلَاة وَانْتِظَارهَا وَاسْتِمَاع الْخُطْبَة وَإِكْثَار الذِّكْر بَعْدَهَا ; لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : (فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشَرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا) وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْعِبَادَات فِي يَوْمهَا , فَاسْتُحِبَّ الْفِطْر فِيهِ , فَيَكُون أَعْوَنَ لَهُ عَلَى هَذِهِ الْوَظَائِف وَأَدَائِهَا بِنَشَاطٍ وَانْشِرَاحٍ لَهَا , وَالْتِذَاذٍ بِهَا مِنْ غَيْر مَلَلٍ وَلَا سَآمَةٍ , وَهُوَ نَظِير الْحَاجّ يَوْم عَرَفَة بِعَرَفَةَ , فَإِنَّ السُّنَّة لَهُ الْفِطْر كَمَا سَبَقَ تَقْرِيره لِهَذِهِ الْحِكْمَة .
فَإِنْ قِيلَ : لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ النَّهْي وَالْكَرَاهَة بِصَوْمٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ لِبَقَاءِ الْمَعْنَى , فَالْجَوَاب : أَنَّهُ يَحْصُل لَهُ بِفَضِيلَةِ الصَّوْم الَّذِي قَبْله أَوْ بَعْده مَا يَجْبُر مَا قَدْ يَحْصُل مِنْ فُتُورٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي وَظَائِفِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ بِسَبَبِ صَوْمِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَد فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَنْ إِفْرَاد صَوْم الْجُمُعَة .
وَقِيلَ : سَبَبه خَوْف الْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيمه , بِحَيْثُ يُفْتَتَن بِهِ كَمَا اُفْتُتِنَ قَوْمٌ بِالسَّبْتِ , وَهَذَا ضَعِيفٌ مُنْتَقَضٌ بِصَلَاةِ الْجُمُعَة وَغَيْرهَا مِمَّا هُوَ مَشْهُور مِنْ وَظَائِف يَوْم الْجُمُعَة وَتَعْظِيمه .
وَقِيلَ : سَبَب النَّهْي لِئَلَّا يُعْتَقَد وُجُوبُهُ , وَهَذَا ضَعِيف مُنْتَقَضٌ بِيَوْمِ الِاثْنَيْنِ فَإِنَّهُ يُنْدَبُ صَوْمُهُ وَلَا يُلْتَفَتُ إِلَى هَذَا الِاحْتِمَال الْبَعِيد , وَبِيَوْمِ عَرَفَة وَيَوْم عَاشُورَاء وَغَيْر ذَلِكَ , فَالصَّوَاب مَا قَدَّمْنَا . وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى .
وأما يوم السبت فيكره إفراده بالصيام ، والحكمة من ذلك : أن الإنسان إذا صام ضعف عن العمل ، فيترك بعض الأعمال التي كان يقوم بها ، فيكون مشابهاً لليهود الذين يتركون الأعمال في يوم السبت ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم : (106500) .
وأما عاشوراء : فروى مسلم (1134) عن عَبْد اللَّهِ بْن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ ) قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وفي رواية له : ( لَئِنْ بَقِيتُ إِلَى قَابِلٍ لَأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ).
قال النووي رحمه الله : " قَالَ بَعْض الْعُلَمَاء : وَلَعَلَّ السَّبَب فِي صَوْم التَّاسِع مَعَ الْعَاشِر أَلَّا يَتَشَبَّهَ بِالْيَهُودِ فِي إِفْرَاد الْعَاشِر . وَفِي الْحَدِيث إِشَارَة إِلَى هَذَا , وَقِيلَ : لِلِاحْتِيَاطِ فِي تَحْصِيل عَاشُورَاء , وَالْأَوَّل أَوْلَى , وَاَللَّهُ أَعْلَمُ " انتهى .
وقد ظهر لك أن تعيين الحكمة والعلة أمر يجتهد فيه العلماء ، وقد رأيت كيف خَطَّأ النوويُ رحمه الله كثيرا من الأقوال التي قيلت في تعليل النهي عن إفراد الجمعة بالصوم
ولهذا فالواجب على المسلم أن يذعن لحكم الشرع ، سواء فهم العلة والحكمة أم لم يفهمها ، فيتلقى كلام الرسول صلى الله عليه وسلم بالتسليم والقبول والتنفيذ ، كما قال تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب