الحمد لله.
لا يمكن القطع بتحديد عدد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، لتفرقهم في البلدان والقرى والبوادي ، ولأن لم يكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كتاب جامع يكتب فيه اسم من أسلم ، ومن ولد في الإسلام . كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه في سياق قصة تخلفه عن غزوة تبوك : (وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ وَلَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ) رواه البخاري (4418) ومسلم (2769) .
وقد جزم الحافظ أبو زرعة الرازي (شيخ الإمام مسلم) بأن عدد الصحابة (114000) مائة وأربعة عشر ألفاً . رواه عنه الخطيب البغدادي في "الجامع" (2/293) .
وقال السفاريني رحمه الله في "غذاء الألباب" :
"فائدة : ذكر أبو زرعة الرازي أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يزيدون على المائة ألف .....
وروى أنهم مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً ، وجزم بهذا العدد الجلال السيوطي رحمه الله في الخصائص الكبرى" انتهى بتصرف .
وهذا العدد (مائة وأربعة عشر ألفاً ، أو مائة وأربعة وعشرون ألفاً) ليس بعيداً عن الصواب ، فإن وقائع السنة تدل على أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا نحو هذا العدد .
ففي غزوة تبوك (وكانت في شهر رجب من السنة التاسعة من الهجرة ، أي قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بعامين إلا شهرين تقريباً) .
خرج الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه ثلاثون ألف مقاتل ، ومعهم عشرة آلاف فرس . "زاد المعاد" (3/526- 529) .
ولم يتخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ممن يستطيع الجهاد إلا كعب بن مالك وصاحباه .
فإذا انضم إلى هذا العدد النساء والصبيان والعجزة وأهل البوادي والأماكن البعيدة عن المدينة [كمكة والطائف] الذين لم يخرجوا في تلك الغزوة ، فلا يبعد أن يتجاوز عدد الصحابة مائة ألفٍ .
وقد وصف جابر بن عبد الله رضي الله عنهما كثرة من حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم حجة الوداع من المدينة فقال : (فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ ، ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ ، حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ ، وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ ، وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ) رواه مسلم (1218) .
وهؤلاء هم الذين خرجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة وما حولها ، وقد انضم إليهم بشر كثير من الطريق ، ومن أهل مكة وما حولها .
وقد نقل السخاوي كلام أبي زرعة أنهم مائة ألف وأربعة عشر ألفاً ، واختاره ، بعد أن ذكر أقوالاً أخرى للعلماء في ذلك .
وانظر : "فتح المغيث" (4/49- 54) .
فرضي الله عن الصحابة أجمعين ، وجعلنا من أتباعهم بإحسان .
والله أعلم .
تعليق