الحمد لله.
أولاً:
الزواج العرفي له صورة يكون فيها باطلاً ، وله صورة أخرى يكون فيها ناقصاً ، فيكون باطلاً حيث يعقد الرجل على المرأة من غير موافقة وليها ، ويكون ناقصاً إذا خلا من الإشهار والإعلان ، على أن الصورة المتبادرة منه ، والتي أشرت أنها تكون بعيدا عن علم الأهل ، والتي توجد في بعض البلاد الإسلامية ، مع الأسف ، هي صورة من صور النكاح الباطل ، بل ليست نكاحا أصلا !!
وفي جوابي السؤالين : ( 45513 ) و ( 45663 ) تفصيل وافٍ لمسائله وأحكامه .
ثانياً:
من حقوق الزوجة على زوجها : عشرتها بالمعروف ، واحترامها ، وعدم إهانتها .
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : ( مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ ، وَلَا امْرَأَةً ، وَلَا خَادِمًا إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه مسلم ( 2328 ) .
وعَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ ، وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ ، وَلَا تُقَبِّحْ ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .
رواه أبو داود ( 2142 ) وابن ماجه ( 1850 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال المناوي – رحمه الله - :
" يحرم ضرب الزوجة ، إلا النشوز " .
" فيض القدير " ( 1 / 66 ) .
وقال الشوكاني – رحمه الله - :
وظاهر حديث الباب : أنه لا يجوز الهجر في المضجع ، والضرب ، إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك ، وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقاً .
" نيل الأوطار " ( 6 / 263 ) .
وقال الإمام الصنعاني – رحمه الله - :
وقوله : ( لا تقبِّح ) أي : لا تُسمعها ما تكره ، وتقول : قبَّحكِ الله ، ونحوه من الكلام الجافي .
" سبل السلام " ( 1 / 150 ) .
فالواجب على الزوج أن يتقي الله تعالى ربَّه ، وأن يعلم أنه لا يحل له إذلال زوجته على أمرٍ قد قُضي وانتهى ، وليعلم أنه يسيء لنفسه بذلك ؛ حيث علم بزواجها من قبل ، ثم رضي بها زوجة له ، وأمّاً لأولاده ، فما يلحقها من عيب يلحقه ، وما يسيء به لها فإنما يسيء لنفسه ، فيجب عليه أن يحسن عشرتها ، وأن يؤدي حقوقها ، وليتنبه لأمر مهم ، وهو أن عاقبة الظلم وخيمة على الظالم في الدنيا والآخرة ، وأن الظلم من الذنوب التي يعجل الله تعالى عقوبتها في الدنيا قبل الآخرة ، فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ( بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا : البغي والعقوق ) رواه الحاكم ( 4 / 196 ) وصححه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 1120 ) .
وإذا كان هذا الزوج لا يريد نسيان ماضي زوجته ، ويرغب بالاستمرار في إذلالها وإهانتها به : فلا يبقها في ذمته ، وليطلقها ، وليعطها حقوقها المتفق معه عليها ، وأما أن يُمسكها ولا يعطيها حقوقها ، أو يمسكها مع إهانتها وتحقيرها : فلا يحل له ذلك .
وينظر – للاستزادة - : جوابي السؤالين : ( 41199 ) و ( 10680 ) .
ثالثاً:
لا يجوز للزوج أن يلبي رغبة والديه بطلاق زوجته ، إلا أن تكون أسبابهم التي من أجلها رغبوا بتطليقها أسباباً شرعية ، كوقوعها في معصية ، أو تركها لواجب .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
رجل تزوج امرأة بإذن والديه ، فلما دخل بها ومكث معها ثلاث سنوات ، وأنجبت منه أولاداً : طلبت والدة الرجل منه أن يطلق تلك المرأة بدون ذنب صدر منها ، لا إلى زوجها ، ولا إلى أم زوجها ، رغم أن المرأة محبوبة إلى زوجها ، والعكس ، فماذا يفعل هذا الرجل : أن يطلق تلك المرأة خشية عقوق والدته ، أم لا ؟ .
فأجابوا :
يجب على الرجل المذكور أن يبرَّ أمَّه ، وأن يحسن إليها قولاً ، وفعلاً ، قدر استطاعته ، وإذا كانت زوجته المذكورة مرضيةً في دِينها وخلُقها : فلا يجب عليه طلاقها .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 31 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
تعلم ما يحدث في المجتمع من قضية العصبية " هذا قبيلي , وهذا غير قبيلي " رجل تزوج من غير قبيلته ، فغضب عليه أبوه , وقال : طلِّقها وإلا تنقطع الصلة بيني وبينك , فما رأيك ؟
فأجاب :
إذا كانت هذه المرأة قد أعجبت الرجل في دينها وخلقها : فليستمسك بها , حتى وإن أمره أبوه بطلاقها فلا يسمع له ، ولا يطيعه , ولا يعتبر معصيته في ذلك عقوقاً , بل إن الوالد هو الذي قطع الرحم , إذا قال : إن أبقيتها فإني أقطع صلتي بك : فهو القاطع للرحم ، وقد قال الله تعالى : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) محمد/ 22 ، 23 .
ولا شك أن محاولة التفريق بين المرء وزوجه من الإفساد في الأرض , ولهذا جعل الله ذلك من عمل السحرة , قال : ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ ) البقرة/ 102 .
والسحرة مفسدون , كما قال موسى عليه الصلاة والسلام : ( مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ ) يونس/ 81 .
فجعل السحرة من المفسدين ، ومن أعظم سحرهم : التفريق بين الرجل وأهله , فهذا الأب الذي يحاول أن يفرق بين ابنه وزوجته , يكون فعله من جنس فعل السحرة , وهو من الفساد في الأرض , فيكون هذا الأب الذي يأمر ابنه بطلاق الزوجة وإلا قاطعه : يكون ممن قطع الرحم ، وأفسد في الأرض , فيدخل في الآية : ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ ) .
وأنا الآن أوجه نصيحتي إلى الابن وأقول : الزم زوجتك ما دامت قد أعجبتك في دينها وخلقها , ونصيحة أخرى إلى الأب وأقول: اتق الله في نفسك , ولا تفرق بين ابنك وأهله , فتقع في الإفساد في الأرض ، وكذلك في قطع الرحم .
والابن نقول له : امضِ فيما أنت عليه , وسواء رضي أبوك أم لم يرضَ , وسواء قاطعك أم وصلك, ولكن إذا قُدِّر أنه نفذ وقاطع : فأنت اذهب إليه ، وحاول أن تصله ، فإذا أبى : فالإثم عليه وحده .
قد يقول بعض الناس : إن عمر رضي الله عنه أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها بأمر النبي صلى الله عليه وسلم , وأنا آمر ولدي فليطلق زوجته , نقول : إن هذه المسألة سئل عنها الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله : فجاءه رجل يقول: إن أبي يأمرني أن أطلق زوجتي؟ فقال له: ولو أمرك لا تطلقها , وأظن الإمام أحمد سأله : هل هو راغب فيها أم لا ؟ فلما أخبره بأنه راغب قال : لا تطلقها , قال: أليس عمر قد أمر ابنه أن يطلق زوجته فطلقها ؟ قال: وهل أبوك عمر ؟ عمر ما أمر ابنه أن يطلق امرأته بمجرد هوىً أو عصبية , لكن لأمر رأى أنه من المصلحة .
وخلاصة القول : أن للولد أن يبقي زوجته ما دامت قد أعجبته ديناً وخلقاً ، سواء رضيت أمه أو أبوه أو لم يرضيا .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 72 ، السؤال 7 ) .
وانظري جوابي السؤالين : ( 44923 ) و ( 47040 ) .
والله أعلم
تعليق