الحمد لله.
أولاً:
الذي نشير به عليك أن تمسك عليك زوجك ، وأن تتقي الله تعالى فيها ، وأن تُحسن وإياها تربية أولادكم ، فتنشئة الأولاد على طاعة الله تعالى ، وإحسان تربيتهم من خير ما يقدمه المرء لنفسه بين يدي قدومه على ربه عز وجل ، والإنسان لا يدري أين الخير له ولأهله ولأسرته ، وقد يكون أعظم الخير فيما صرفه عنه ربه تعالى ، وقد تكون الفتنة والبلاء فيما يحب أن يكون له ، وفيما تشتهيه نفسه أن يتملكه ، ومنه ما نحن بصدده ، فكل الناس يتمنى لنفسه ولذريته جمال الصورة ، وهذا لا شك أنه غير مخالف للشرع ، فهو تمنٍّ مباح ، لكن إذا قدَّر الله تعالى شيئاً آخر : فليس أمام المسلم إلا الرضا بتصوير الله تعالى ، ولا يدري ماذا صرف الله تعالى عنه وعن ذريته بعدم جمال الصورة ، من الفتنة ، والغرور ، والإعجاب بالنفس ، ولذا أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بأن الله تعالى لا يثيب ولا يعاقب على خِلقتنا ، إنما الثواب والعقاب على العمل والأخلاق .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ ) .
رواه مسلم ( 2564 ) .
وانظر إلى ما أخبرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم من آثار جمال الصورة ، كيف أدى بصاحبه إلى الإعجاب بنفسه ، ثم صار إلى هلاك دنيوي ، وأخروي .
عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي فِي حُلَّةٍ ، تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ، مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ إِذْ خَسَفَ اللَّهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) .
رواه البخاري ( 5452 ) ومسلم ( 2088 ) .
وقد جاء التنبيه على ما قدمنا به كلامنا في كتاب الله تعالى عامّاً مرة ، وخاصّاً بالزوجة مرة أخرى ، فقال الله تعالى في الأولى : ( وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) البقرة/ من الآية 216 ، وقال في الثانية : ( عَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/ 19
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – :
أي : فعَسَى أن يكون صبركم مع إمساككم لهن وكراهتهن فيه ، خير كثير لكم في الدنيا والآخرة ، كما قال ابن عباس في هذه الآية : هو أن يَعْطف عليها ، فيرزقَ منها ولداً ، ويكون في ذلك الولد خير كثير ، وفي الحديث الصحيح : ( لا يَفْرَك – أي : لا يُبغض - مؤمنٌ مؤمنةً ، إن سَخِطَ منها خُلُقاً رَضِيَ منها آخر ) .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 243 ) .
ثانياً:
نفيدك أن العيب الذي وجدته في زوجتك لو أنه كان من العيوب التي تجيز لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته لها : لما جاز لك المطالبة بحقك الآن ؛ فإنه قد سقط هذا الحق برضاك به ، وصبرك عليه ، وتحملك له ، فكيف إذا علمتَ أن في كونه من العيوب التي تبيح لك فسخ النكاح والرجوع بما دفعته خلافاً بين العلماء ، والصحيح من أقوال العلماء أن العيوب المنفِّرة هي التي تكون لها تلك الأحكام ، دون ما عداها ، وقد اتفقوا على سقوط ذلك الحق بعد العلم به ، والرضا بوجوده .
وللوقوف على كلام أهل العلم في هذا : انظر جواب السؤال رقم ( 103411 ) .
هذا الذي نشير به عليك ، وقد شرع الله لك الطلاق ، فإن كنتَ تريد إمساكها بمعروف ، وإعطاءها حقوقها ، ونزع الندم والحزن من حياتك ، كما نرجوه منك ، ونأمله فيك إن شاء الله : فخذ بما نصحناك به ، وأكثر من الإنجاب ووكِّل الأمر للخالق سبحانه ، ولا تلتفت لكلام الأطباء ، فصفات الذرية من الغيب الذي لا يعلمه أحد إلا الله .
وإن كان إمساكك لها سيجدد عندك الندم ، والحزن ، ولن تعطيها حقوقها : فلا يحل لك إمساكها ، بل يجب عليك تطليقها ، ووجب عليك إعطاءها حقوقها المالية جميعها .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى ( فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) - :
أي : ينبغي لكم - أيها الأزواج - أن تمسكوا زوجاتكم مع الكراهة لهن ؛ فإن في ذلك خيراً كثيراً ، من ذلك : امتثال أمر الله ، وقبولُ وصيته التي فيها سعادة الدنيا والآخرة ، ومنها : أن إجباره نفسَه - مع عدم محبته لها - فيه مجاهدة النفس ، والتخلق بالأخلاق الجميلة ، وربما أن الكراهة تزول ، وتخلفها المحبة ، كما هو الواقع في ذلك ، وربما رزق منها ولداً صالحاً نفع والديه في الدنيا والآخرة .
وهذا كله مع الإمكان في الإمساك ، وعدم المحذور ، فإن كان لا بد من الفراق ، وليس للإمساك محل : فليس الإمساك بلازم .
" تفسير السعدي " ( ص 172 ) .
والله أعلم
تعليق