الحمد لله.
نسأل الله أن يتقبل منكِ طاعتك ، وأن يثبتك وأسرتك على الحق ، وأن يجعلك أمّاً بارَّة ، وزوجة صالحة .
واعلمي أيتها الأخت السائلة أنك لستِ بحاجة لزوجك ليأمرك بالحجاب ، فالأمر قد صدر من قبل ، والذي أصدره هو رب السماء والأرض ، ولا خيار لك في فعله أو تركه ، بل هو واجب لا مناص من الالتزام به ، ولا يسعك غير ذلك .
قال تعالى : ( وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِن ) النور/ 31 .
واعلمي أيتها الأخت أن في الالتزام بالحجاب ما يكفل للمجتمع الإسلامي الصيانة ، والعفاف ، وانتشار الفضيلة ، وحسن الخلُق ، وأن في التفريط في أمر الحجاب والتهاون فيه ما يفضي إلى انتشار الفساد ، وشيوع الرذيلة والمنكرات - والعياذ بالله تعالى - ، وهذا معلوم وبيِّن لمن له أدنى معرفة واطلاع ، وهو أمرٌ مشاهَد للقاصي والداني .
وما أشرتِ إليه أيتها الأخت السائلة من قيامك بنزع الحجاب عدة مرات : فلا ريب أن هذا العمل من أعظم المحرمات ، بل هو هتك للستر الذي أمر الله به ، ويضاف إليه : ما في نزع الحجاب من المجاهرة بالمعصية ، والخروج عن أمر الشرع المطهر .
إن المسلمة التي من الله عليها بالتزام أمره ، فصلت ، واعتمرت ، ولبست الحجاب ، قد سارت في طريق طاعة ربها ، وعاهدت على المسير في الصراط المستقيم ، حتى تصل إلى جنته ، أو هكذا يجب أن يكون المسلم .
وأخطر ما في ترك الحجاب ، وترك الطاعة ، والرجوع إلى سالف العهد من المعاصي والتفريط في حق الله ، أخطر ما في ذلك كله أنه نقض لعهد الله إلينا بالطاعة ، وعهدنا معه بالوفاء ، وهدم لما كنا بنيناه في طريق الهداية .
قال الله تعالى : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ * وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ * وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) الرعد/19-24.
قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره ـ (416) ـ : " يقول تعالى: مفرقا بين أهل العلم والعمل وبين ضدهم : ( أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ ) ففهم ذلك وعمل به ، ( كَمَنْ هُوَ أَعْمَى ) لا يعلم الحق ولا يعمل به ، فبينهما من الفرق كما بين السماء والأرض ، فحقيق بالعبد أن يتذكر ويتفكر أي الفريقين أحسن حالا وخير مآلا فيؤثر طريقها ويسلك خلف فريقها ، ولكن ما كل أحد يتذكر ما ينفعه ويضره ، ( إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الألْبَابِ ) أي : أولو العقول الرزينة ، والآراء الكاملة ، الذين هم لُبّ العالم ، وصفوة بني آدم ، فإن سألت عن وصفهم ، فلا تجد أحسن من وصف الله لهم بقوله : ( الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ ) الذي عهده إليهم والذي عاهدهم عليه من القيام بحقوقه كاملة موفرة ، فالوفاء بها توفيتها حقها من التتميم لها ، والنصح فيها ، ( و ) من تمام الوفاء بها أنهم ( لا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ ) أي : العهد الذي عاهدوا عليه الله ، فدخل في ذلك جميع المواثيق والعهود والأيمان والنذور ، التي يعقدها العباد ، فلا يكون العبد من أولي الألباب الذين لهم الثواب العظيم ، إلا بأدائها كاملة ، وعدم نقضها وبخسها .
( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ ) وهذا عام في كل ما أمر الله بوصله ، من الإيمان به وبرسوله ، ومحبته ومحبة رسوله ، والانقياد لعبادته وحده لا شريك له ، ولطاعة رسوله ، ويصلون آباءهم وأمهاتهم ببرهم بالقول والفعل وعدم عقوقهم ، ويصلون الأقارب والأرحام ، بالإحسان إليهم قولا وفعلا ويصلون ما بينهم وبين الأزواج والأصحاب والمماليك ، بأداء حقهم كاملا موفرا من الحقوق الدينية والدنيوية .
والسبب الذي يجعل العبد واصلا ما أمر الله به أن يوصل ، خشية الله وخوف يوم الحساب ، ولهذا قال : ( وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ) أي : يخافونه ، فيمنعهم خوفهم منه ، ومن القدوم عليه يوم الحساب ، أن يتجرؤوا على معاصي الله ، أو يقصروا في شيء مما أمر الله به خوفا من العقاب ورجاء للثواب .
( وَالَّذِينَ صَبَرُوا ) على المأمورات بالامتثال ، وعن المنهيات بالانكفاف عنها والبعد منها ، وعلى أقدار الله المؤلمة بعدم تسخطها ، ولكن بشرط أن يكون ذلك الصبر ( ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ ) لا لغير ذلك من المقاصد والأغراض الفاسدة ... .
( أُولَئِكَ ) الذين وصفت صفاتهم الجليلة ومناقبهم الجميلة ( لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ) فسرها بقوله : ( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) ، أي : إقامة لا يزولون عنها ، ولا يبغون عنها حولا ؛ لأنهم لا يرون فوقها غاية لما اشتملت عليه من النعيم والسرور ، الذي تنتهي إليه المطالب والغايات .
ومن تمام نعيمهم وقرة أعينهم أنهم ( يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ ) من الذكور والإناث ( وَأَزْوَاجِهِمْ ) ، أي : الزوج أو الزوجة وكذلك النظراء والأشباه ، والأصحاب والأحباب ، فإنهم من أزواجهم وذرياتهم .
( وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ ) يهنئونهم بالسلامة وكرامة الله لهم ويقولون : ( سَلامٌ عَلَيْكُمْ ) ، أي : حلت عليكم السلامة والتحية من الله وحصلت لكم ، وذلك متضمن لزوال كل مكروه ، ومستلزم لحصول كل محبوب .
( بِمَا صَبَرْتُمْ ) ، أي : صبركم هو الذي أوصلكم إلى هذه المنازل العالية ، والجنان الغالية ، ( فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ) .
فحقيق بمن نصح نفسه وكان لها عنده قيمة ، أن يجاهدها ، لعلها تأخذ من أوصاف أولي الألباب بنصيب ، لعلها تحظى بهذه الدار ، التي هي منية النفوس ، وسرور الأرواح الجامعة لجميع اللذات والأفراح ، فلمثلها فليعمل العاملون وفيها فليتنافس المتنافسون " انتهى .
فالواجب عليك ـ أختنا الكريمة ـ : التوبة إلى الله جل وعلا ، والرجوع إليه ، بذلٍّ ، وانكسار ، والمسارعة إلى الندم ، والالتزام بأوامر الله تعالى ، والحفاظ على الستر ، والحشمة ، والعفة ، بل ويجب عليكِ الإنكار – إن استطعتِ - على من ترينها تجاهر بهذه المعصية الظاهرة ، وأن توجهيها إلى الالتزام بالحجاب ، وأن تبيني لها حكم الله في ذلك .
وقد سبق في هذا الموقع الكلام عن الحجاب في أكثر من جواب ، وتلك الأجوبة جاءت على صور ، منها ما كان بياناً لحكم الحجاب ، وأنه واجب ، كما في جواب السؤال رقم: ( 21536 ) ، ومنها ما ذُكرت فيه الأدلة الدالة على وجوبه ، كما في جواب السؤال رقم : ( 13998 ) ، ورقم : ( 11774 ) ، ومنها ما كان بياناً لصفة الحجاب الشرعي ، كما في جواب السؤال رقم : ( 6991 ) ، وغيرها من الأجوبة الدالة على أهمية الحجاب في حياة المرأة المؤمنة .
فلا تجعلي من الأسباب الشخصية مسوغاً لنفسك لترك ما أمرك الله تعالى به ، فليس لك عذر في هذا ، وإنما هو من كيد إبليس ووسوسته ، فاحذريه ، وانتبهي لنفسك أن يُختم لك بمعصية ترك الحجاب ، وهو ما نرجو أن لا يكون ، بل نرى أن مراسلتك لنا علامة خير ودين ، ولا نظن إلا أنك ستلتزمين بأمر الله ، ولن تخلعيه البتة .
والله أعلم
تعليق