الحمد لله.
لا حرج في قول الخطيب في ختام كلامه : أقول هذا وأستغفر الله ، أو أقول قولي هذا ، سواء كان ذلك في خطبة الجمعة الأولى أو الثانية ، أو في غيرها من الخطب ، فهي كلمة مأثورة من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وكلام الخطباء من أصحابه رضي الله عنهم.
فقد روى ابن حبان (3828) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوم فتح مكة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : ( أما بعد ؛ أيها الناس ، فإن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية ، يا أيها الناس ، إنما الناس رجلان : بر تقي كريم على ربه ، وفاجر شقي هين على ربه ) ثم تلا : (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا) حتى قرأ الآية ثم قال : ( أقول هذا وأستغفر الله لي لكم ).
والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيقه ، والألباني في السلسلة الصحيحة (2803).
وأورد أصحاب السير أن ثابت بن قيس بن شماس خطيب الأنصار رضي الله عنه قالها بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم . قال ابن إسحاق في خبر وفد بني تميم وافتخارهم أمام النبي صلى الله عليه وسلم : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن الشماس أخي بني الحارث بن الخزرج : قم فأجب الرجل في خطبته . فقام ثابت فقال : الذي السموات والأرض خلقه ، قضى فيهن أمره ، ووسع كرسيه علمه ، ولم يك شيء قط إلا من فضله ، ثم كان من قدرته أن جعلنا ملوكا ، واصطفى من خير خلقه رسولا ، أكرمه نسبا ، وأصدقه حديثا ، وأفضله حسبا ، فأنزل عليه كتابه ، وأتمنه على خلقه ، فكان خيرة الله من العالمين ، ثم دعا الناس إلى الإيمان به فآمن برسول الله المهاجرون من قومه وذوي رحمه أكرم الناس حسبا ، وأحسن الناس وجوها ، وخير الناس فعالا . ثم كان أول الخلق إجابة واستجاب لله حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم نحن ، فنحن أنصار الله ، ووزراء رسوله ، نقاتل الناس حتى يؤمنوا بالله ، فمن آمن بالله ورسوله منع منا ماله ودمه ، ومن كفر جاهدناه في الله أبدا ، وكان قتله علينا يسيرا . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي وللمؤمنين والمؤمنات والسلام عليكم " انتهى من السيرة النبوية لابن هشام (2/562)، والسيرة لابن كثير (4/79).
وورد هذا من كلام أبي بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم في خطبهم ، واستعمله بعض أهل العلم المعاصرين في خطبهم ، كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله في أكثر خطبه .
وأما الاعتراض بكون الخطيب قد ذكر أشياء ليست من قوله كالآيات والأحاديث والآثار، فهو اعتراض غير صحيح ؛ لأن المقصود هو عموم الخطبة بما فيها من ألفاظ الخطيب ، واستشهاده ونقله ، حتى ما فيها من آيات أو أحاديث أو آثار فقد قالها الخطيب .
والحاصل أن هذا القول جائز ولا بأس به ، ولا مبرر لإنكاره .
نسأل الله أن يفقهنا في دينه .
والله أعلم .
تعليق