السبت 27 جمادى الآخرة 1446 - 28 ديسمبر 2024
العربية

يدفع مالا لمسئول في الشركة ليسهل له قبول المشروع

119559

تاريخ النشر : 10-07-2008

المشاهدات : 18747

السؤال

صديقي له شركة إنشائية أسسها منذ ثلاث سنوات ولم يسبق له تنفيذ أي مشروع حتى الآن ، وإنه حالياً بصدد توقيع عقد مع إحدى الشركات الكبرى لتنفيذ إحدى المشاريع ، غير أن أحد الموظفين بتلك الشركة وباعتباره أحد المسئولين بها طلب نسبة من الأرباح وذلك نظير ما سوف يقوم به من تسهيلات ومتابعة لسير عمليات التنفيذ واستيفاء المخالصات عند إتمام المشروع . ومن خلال مناقشتي له تبين لي الآتي: - - المسئول المذكور له قوة نفوذ وسلطة في منح العطاءات أو رفضها . - وأنه لو طلب منه عدم تقديم أي خدمات قد يمتنع تماماً من منح هذا العطاء . - ظروف تنفيذ خطوات المشروع تحتاج لوقفة تعاون من المسئولين بالشركة المانحة ، وإلا ستكون عمليات تنفيذ المشروع معقدة للغاية . - عند مناقشة ذلك المسئول على كون ما طلبه قد يكون من الرشوة احتج بأن ما سيأخذه هو عوض على ما سيقوم به من مجهودات أثناء عمليات التنفيذ . - إن ما سيقوم به هذا المسئول من تسهيلات ومجهودات قد يدخل ضمن طبيعة عمله كموظف أو قد لا يدخل أو يكون بينهما . وبناءً على ما تقدم نرجو إفادتنا بحكم هذه المعاملة ، وهل هي من الرشوة المنهي عنها ؟ وإن كان كذلك فهل تقبل الشركة المنفذة هذا العرض لإمكان الاضطرار ؟ وما نصيحتكم لكلا الطرفين وخاصة الموظف المسئول لكون الأمر - إن كان حراما - قد التبس عليه ، حيث نحسبه على خير وأنه قد أدى مناسك العمرة منذ أيام قليلة .

الجواب

الحمد لله.



أولا :

الموظف المسئول في الشركة ، إن كان ما سيقوم به من تسهيلات ومتابعة وغيرها داخلا في عمله في الشركة ، فلا يجوز له أن يأخذ من صاحبك شيئا ؛ لأن ما يأخذه حينئذ يدخل في الرشوة وهدايا العمال المحرمة ، ولا يجوز لصاحبك أن يعطيه شيئا ، وليس هذا من الحق الذي يجوز دفع الرشوة لتحصيله ، بل هذه معاملة محرمة جاء فيها لعن الطرفين ، كما روى أحمد (6791) وأبو داود (3580) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي ) ، والحديث صححه الألباني في "إرواء الغليل" (2621) .

ولو قيل بجواز الرشوة هنا بزعم أن هذا من التوصل للحق ، لجازت أكثر صور الرشوة ، وعم الفساد والشر .

 وإن كان هذا المسئول يعمل في قسم آخر لا علاقة له بهذه المشاريع ، فلا حرج أن يدل الشركة على صاحبك ، أو يدل صاحبك على الشركة ، وييسر لهما التعاقد معا ، مقابل مال يأخذه من الطرفين أو من أحدهما ، بشرط ألا يكون له دور في تقديم صاحبك على من هو أفضل منه ، أو إخباره بأمور العطاءات التي يمنع الإخبار بها كعروض أصحاب المشاريع الأخرى .

قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

" مما حرمه الإسلام , وغلظ في تحريمه : الرشوة , وهي دفع المال في مقابل قضاء مصلحة يجب على المسئول عنها قضاؤها بدونه ، ويشتد التحريم إن كان الغرض من دفع هذا المال إبطال حق أو إحقاق باطل أو ظلما لأحد .

وقد ذكر ابن عابدين رحمه الله في حاشيته : ( أن الرشوة هي : ما يعطيه الشخص لحاكم أو غيره ليحكم له أو يحمله على ما يريد ) ، وواضح من هذا التعريف أن الرشوة أعم من أن تكون مالا أو منفعة يمكنه منها , أو يقضيها له ، والمراد بالحاكم : القاضي , وبغيره : كل من يرجى عنده قضاء مصلحة الراشي , سواء كان من ولاة الدولة وموظفيها أو القائمين بأعمال خاصة كوكلاء التجار والشركات وأصحاب العقارات ونحوهم , والمراد بالحكم للراشي , وحمل المرتشي على ما يريده الراشي : تحقيق رغبة الراشي ومقصده , سواء كان ذلك حقا أو باطلا .

والرشوة - أيها الإخوة في الله - من كبائر الذنوب التي حرمها الله على عباده , ولعن رسوله صلى الله عليه وسلم من فعلها , فالواجب اجتنابها والحذر منها , وتحذير الناس من تعاطيها , لما فيها من الفساد العظيم , والإثم الكبير , والعواقب الوخيمة , وهي من الإثم والعدوان اللذين نهى الله سبحانه وتعالى عن التعاون عليهما في قوله عز من قائل : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة /2 .

وقد نهى الله عز وجل عن أكل أموال الناس بالباطل , فقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء /29 ، وقال سبحانه : ( وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة /188 ، والرشوة من أشد أنواع أكل الأموال بالباطل " انتهى .

"مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (23/223-224) .

 وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن : أنا صاحب شركة بناء ، ولي صديق مدير في مؤسسة طباعة الكتب والكراريس المدرسية ، وبحكم علاقته مع مسئولين في وزارة التعليم والمعارف ، يستطيع الحصول على مشاريع في البناء لصالح الوزارة ، وبحكم علاقتي به : فإنه يعرض عليّ العملَ في شكل عقد مضاربة أو قراض ، فمنه المشروع وعلي العمل ، إلا أن الإشكال في المسألة أن صاحبي لا يتحصل على المشروع إلا إذا دفع شيئا من المال حتى يكون المشروع من نصيبه ، علما أنه لا ينافسه في أخذ المشروع أحد ، ومن جهتي أنا كصاحب شركة إذا لم أتعامل معه أو مع غيره بهذه الطريقة فإن أعمالي وأشغالي ستتعطل . أفتوني في هذه المسألة جزاكم الله كل خير ؟  

فأجابت : " ما يعمله هذا الشخص الذي ذكرته هو من قبيل الرشوة المحرمة ، والملعون من فعلها أو أعان عليها ، فعليك بمناصحته ليترك هذا العمل ، ولا يجوز لك قبول المقاولة على ما يحصل عليه من أعمال في مقابل هذه الرشوة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، وأكل المال بالباطل " انتهى .

"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/568) .

 ثانيا :

الوسيط بين صاحبك وهذا المسئول ، يحكم على عمله بناء على ما تقدم ، فإن كان عمل المسئول محرما ، كان عمل الوسيط محرما كذلك ، وهو الرائش الذي ورد في بعض روايات الحديث .

وإن كان عمل المسئول جائزا ، جاز عمل الوسيط ؛ لأنه من الدلالة المباحة .

 ونصيحتنا للجميع أن يتقوا الله عز وجل فيما أمر ، والابتعاد عما نهى عنه وزجر ، وليعلم الأخ السائل ، والأخ الوسيط ، وكل من له علاقة بذلك : أن الله عز وجل أكرم من أن يضيع من يتقيه ويخشاه ، ويحرص على طلب الحلال ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً .  وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق /2-3 .

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن روح القُدُس [ يعني : جبريل ، عليه السلام ] نفث في رُوعي : أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ، ولا يحمِلَّن أحدَكُم استبطاءُ الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا يُنال ما عنده إلا بطاعته " رواه أبو نعيم في حلية الأولياء ، من حديث أبي أمامة رضي الله عنه ، وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع .


والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب