الحمد لله.
أولاً :
لا زالت الأبحاث مستمرة عن تأثير النباتات المعدَّلة وراثيّاً على الإنسان والنباتات والحيوانات والبيئة ، بل والاقتصاد ، ولا يزال كثير من أهل الاختصاص يحثون على عدم الانسياق وراء ظاهر الأمر بالنسبة للنباتات المعدَّلة وراثيّاً من حيث وفرة إنتاجها ، وقدرتها على التغلب على الآفات الزراعية ومقاومة الأمراض .
وهناك وجهتان رئيستان في هذه المسألة : الأولى تتزعمها الشركات الأمريكية ، ومؤسساتها الحكومية ، وهي التي تجيز استعمال النباتات المعدَّلة وراثيّاً وتسويق منتجاتها في الأسواق ، والوجهة الأخرى ، وهي المضادة لها ، وهو ما يمثله الاتحاد الأوروبي ، وهو الذي يمنع من زراعاتها في أراضيه ، ويحذِّر من آثارها المحتملة .
ولا تزال الأمور غير قطعية بالنسبة لآثارها ؛ لأن الأمر يتطلب سنوات حتى تظهر تلك الآثار ، على حسب كلام أهل الاختصاص ، فوجود زروع أكثر مقاومة للمبيدات الزراعية يعني كثرة استعمالها ، وهو ما سيؤدي إلى خطر على البيئة وعلى صحة الإنسان ، ووجود هذه القوة في النباتات سيؤدي إلى دخولها في بدن الآكل ، كما أنه من المعلوم أن البلد المستورد لهذه النباتات لن يستطيع زراعة أرضه مرة أخرى من بذور تلك النباتات ، ومعنى ذلك أنه سيبقى تحت سيطرة وسطوة الشركات المنتجة لتلك البذور ، وهو ما سيؤثر على نوع النبات المنتجة ، وعلى اقتصاد البلد المستورد ، حيث إنه سيظل مستورداً مستهلكاً ، لا منتجاً مستقلاًّ .
وقد عقدت " المنظمة العربية للتنمية الزراعية " ندوة في السودان 15 – 17 / 6 / 2003 م ، وكان موضوع تلك الندوة " تقييم الآثار البيئية لإدخال الأنواع النباتية والحيوانية المحوَّرة وراثيّاً " .
وننقل من تلك الندوة ما يوضِّح المسألة قبل ذِكر حكم ما جاء في السؤال :
1. في ( ص 45 ) قال الدكتور عوض الله عبد الله عبد المولي - أستاذ تربية النبات والوراثة - قسم المحاصيل الحقلية في كلية الزراعة ، جامعة الخرطوم - :
" ما هي منتجات النباتات المحورة وراثياً ؟ :
هي عبارة عن المنتجات لنباتات المحاصيل التي تمت هندستها وراثيّاً ، وذلك بإدخال جينات غريبة على مادتها الوراثية ، والجين الغريب الذي يمكن أن يأتي من مصادر مختلفة تم إدخاله لزيادة القيمة ، وتحسين الصفات الوراثية للنبات المهندَس وراثيّاً ، وعادة يتم تحوير أو تعديل هذه النباتات وراثيّاً لغرضين أساسيين هما :
1. تقليل تكاليف إنتاج هذه النباتات ، وذلك بجعلها مقاومة للأمراض والآفات .
2. تحسين الجودة للمنتج منها ، وذلك بتحسين المظهر – المكون الغذائي – للصفات المتعلقة بالتصنيع والتخزين .
يتم إنتاج هذه المنتجات المعدلة وراثياً باستعمال تقنيات الهندسة الوراثيّة ، حيث يتم أولاً تحديد الجين المسئول عن الصفة المرغوبة ، ثم يتم عزله ، ومن ثم إدخاله إلى الكائن الحي ( المستقبِل ) ، وبعد أن يندمج الجين الجديد في المادة الوراثية للنباتات المهندسة وراثيّاً يمكن إكثار الخلايا التي نجح فيها اندماج الجين الجديد ، ومن ثم عبر طرق زراعة الأنسجة يمكن إنتاج نباتات كاملة من تلك الخلايا ، وتصبح هذه النباتات معدَّلة أو مهندَسة وراثيّاً .... وبمجرد تثبيت هذا الجين في النبات المهندَس وراثيّاً يمكن نقله إلى أصناف أخرى من نفس المحصول ، وذلك باستعمال الطرق التقليدية لتربية النبات ، وذلك عن طريق التهجين والتهجين الرجعي" انتهى .
2. وفي ورقة بعنوان " التحوير الوراثي : مبرراته , فوائده وآثاره على البيئة والمجتمعات " من إعداد : الدكتور لخضر خليفي والدكتورة ماجدة خليفي ، ( ص 15 ) قالا :
" ففي مجال التحوير الوراثي بالذات يظهر الفرق جليّاً بين القوانين الأمريكية والأوروبية , في حين يعتبر القانون الأمريكي أن الأغذية المحورة وراثيّاً أغذية طبيعية لا تشكل أي خطر حتى يثبت العكس : فإن القانون الأوروبي - وخاصة الفرنسي - يعتبر الأغذية المحورة وراثيّاً غير طبيعية ، يحتمل أن تشكل خطراً إلى أن يثبت العكس " انتهى .
ثانياً :
لا يستطيع الباحث في هذه المسألة تحريم أكل الثمار والفواكه والزروع المعدَّلة وراثيّاً ، إلا أن يثبت ضررها يقيناً ، وهذا لا يعني التساهل في أمرها ؛ لما بيَّناه سابقاً من احتمال خطرها من نواحٍ متعددة ، وإقبال الناس على النباتات والزروع الطبيعية يلقى رواجاً عظيماً ، ويقبل عليه الناس ولو كان أكثر ثمناً .
ولا يزال الموضوع يحتاج إلى مزيد من الأبحاث ومزيد من السنوات حتى يتضح تأثير هذه النباتات ، ومدى ضررها .
وإلى أن يثبت ضررها ، فالأصل : إباحة هذه النباتات ، وإباحة أكل الحيوان المتغذي على هذه النباتات ، مع ضرورة الحذر مما يمكن أن تسببه تلك النباتات مستقبلاً ، ومع ضرورة متابعة الأبحاث والأخبار المتعلقة بتلك النباتات .
والله أعلم
تعليق