الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

هل يجوز لطالب العلم أن يأخذ أجرة على مؤلفاته وأشرطته ودروسه في الفضائيات؟

120296

تاريخ النشر : 01-07-2009

المشاهدات : 36291

السؤال

ما حكم أخذ الداعية أجراً مقابل مصنفاته ، وأشرطته ، وإلقائه الدروس عبر القنوات الفضائية ؟ وهل الحكم يختلف باختلاف النية بحيث تكون الأولى من أجل الكسب فقط ، والثانية نفع الأمة لكن يحصل الكسب ؟

الجواب

الحمد لله.

أولاً:

تأليف الكتب ، وإنتاج الأشرطة يعتبران من الحقوق الخاصة بأصحابها ، وهي حقوق مصونة في الشرع ، فلا يجوز الاعتداء عليها بالنسخ ، أو الطباعة ، أو الإنتاج ، من غير إذن أصحابها ، ولا حرج على أصحابها في طلب مبالغ مقابلها .

وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم : ( 21899 ) قرار " مجلس الفقه الإسلامي " : أن حقوق التأليف ، والاختراع ، أو الابتكار : مصونة شرعاً ، ولأصحابها حق التصرف فيها ، ولا يجوز الاعتداء عليها .

ثانياً:

أما أخذ الداعية ، أو العالِم مالاً مقابل تعليمه الناس الأحكام الشرعية ، أو كيفية قراءة القرآن ، في المساجد ، أو المدارس ، أو الفضائيات : فإن كان ما يُعطاه من بيت مال المسلمين [أموال الدولة] : فلا خلاف في جوازه ، وإن كان يُعطاه من غيره : فللعلماء فيه أقوال ثلاثة :

1. الجواز ، وهو قول جمهور العلماء ، من المالكية ، والشافعية ، وبه قال متأخرو الحنفية ، وهو الذي يرجحه الشيخان ابن باز ، والعثيمين ، رحمهما الله ، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء.

2. المنع ، وهو قول المتقدمين من الحنفية ، ورواية عن الإمام أحمد .

3. الجواز للحاجة [كما لو كان العالم فقيراً محتاجاً إلى المال] ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، وقد مال إلى القول به : شيخ الإسلام ابن تيمية .

جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 13 / 14 – 16 ) :

"لا خلاف بين الفقهاء في جواز أخذ الرِّزق من بيت المال على تعليم القرآن ، وتدريس علم نافع ، من حديث ، وفقه ، ونحوهما ؛ لأن هذا الرزق ليس أجرة من كل وجه ، بل هو كالأجرة .

وإنما اختلفوا في الاستئجار لتعليم القرآن ، والحديث ، والفقه ، ونحوهما من العلوم الشرعية : فيرى متقدمو الحنفية - وهو المذهب عند الحنابلة - عدم صحة الاستئجار لتعليم القرآن ، والعلم الشرعي ، كالفقه ، والحديث ؛ لحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : علمتُ ناسا من أهل الصفَّة القرآن ، والكتابة ، فأهدى إليَّ رجل منهم قوساً ، قال : قلت : قوس ، وليس بمال ، قال : قلت : أتقلدها في سبيل الله ، فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وقصصت عليه القصة ، فقلت : يا رسول الله ، رجل أهدى إليَّ قوساً ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن ، وليست بمال ، وأرمي عنها في سبيل الله ، قال : ( إن كنتَ تحبُّ أن تُطوَّق طوقاً من نارٍ فَاقْبَلْها ) ؛ وحديث أبي بن كعب رضي الله عنه ، أنه عَلَّم رجلا سورة من القرآن ، فأهدى له خميصة ، أو ثوبا ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : ( إنَّكَ لَوْ لَبِسْتَها لأَلْبَسَك الله مَكَانَها ثَوْباً مِن نارٍ ) ؛ ولأنه استئجار لعمل مفروض ، فلا يجوز ، كالاستئجار للصوم والصلاة ... ؛ ولأن الاستئجار على تعليم القرآن والعلم سبب لتنفير الناس على تعليم القرآن والعلم ؛ لأن ثقل الأجر يمنعهم من ذلك ، وإلى هذا أشار الله جل شأنه في قوله عز وجل : ( أََمْ تَسْأَلهُم أَجْراً فَهُم من مغْرَمٍ مُثْقَلُون ) فيؤدي إلى الرغبة عن هذه الطاعة ، وهذا لا يجوز .

وذهب متأخرو الحنفية - وهو المختار للفتوى عندهم - والمالكية في قول ، وهو القول الآخر عند الحنابلة - يؤخذ مما نقله أبو طالب عن أحمد - إلى جواز الاستئجار على تعليم القرآن والفقه ، لخبر : ( إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله ) ؛ ولما روي عن عبد الجبار بن عمر أنه قال : (كل من سألت من أهل المدينة لا يرى بتعليم الغلمان بالأجر بأساً) ؛ ولأن الحفاظ ، والمعلمين - نظراً لعدم وجود عطيات لهم في بيت المال - ربما اشتغلوا بمعاشهم ، فلا يتفرغون للتعليم حسبة ، إذ حاجتهم تمنعهم من ذلك ، فلو لم يفتح لهم باب التعليم بالأجر : لذهب العلم ، وقلَّ حفاظ القرآن .

والمذهب عند المالكية : جواز الاستئجار على تعليم القرآن ، أما الإجارة على تعليم الفقه وغيره من العلوم ، كالنحو والأصول والفرائض فإنها مكروهة عندهم .

وفرَّق المالكية بين جواز الإجارة على تعليم القرآن ، وكراهتها على تعليم غيره : بأن القرآن كله حق لا شك فيه ، بخلاف ما عداه مما هو ثابت بالاجتهاد ، فإن فيه الحق والباطل ، وأيضا فإن تعليم الفقه بأجرة ليس عليه العمل ، بخلاف القرآن ، كما أن أخذ الأجرة على تعليمه يؤدي إلى تقليل طالبه .

وذهب الشافعية - على الأصح - إلى جواز الاستئجار لتعليم القرآن ، بشرط تعيين السورة والآيات التي يعلمها ، فإن أخل بأحدهما لم يصح ، وقيل : لا يشترط تعيين واحد منهما ، أما الاستئجار لتدريس العلم : فقالوا : بعدم جوازه إلا أن يكون الاستئجار لتعليم مسألة ، أو مسائل مضبوطة ، فيجوز" انتهى .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :

ولهذا لما تنازع العلماء في أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، ونحوه : كان فيه ثلاثة أقوال في مذهب الإمام أحمد ، وغيره ، أعدلها : أنه يباح للمحتاج .

قال أحمد : أجرة التعليم خير من جوائز السلطان ، وجوائز السلطان خير من صلة الإخوان .

" مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 30 / 192 ، 193 ) .

وأدلة الجواز قوية ، لا يمكن دفعها ، كحديث الصحيحين : ( إنَّ أَحَقَّ مَا أَخَذْتم عَلَيْهِ أَجْراَ كِتَاب الله ) ، وكذا حديث تزويج النبي صلى الله عليه وسلم صحابيّاً على تعليم امرأته القرآن .

قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :

"يجوز لك أن تأخذ أجراً على تعليم القرآن ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم زوَّج رجلا امرأة بتعليمه إياها ما معه من القرآن ، وكان ذلك صداقها ، وأخذ الصحابي أجرة على شفاء مريض كافر بسبب رقيته إياه بفاتحة الكتاب ، وقال في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) أخرجه البخاري ومسلم ، وإنما المحظور : أخذ الأجرة على نفس تلاوة القرآن ، وسؤال الناس بقراءته" انتهى .

الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .

" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 96 ) .

وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :

"لا حرج في أخذ الأجرة على تعليم القرآن ، وتعليم العلم ؛ لأن الناس في حاجة إلى التعليم ؛ ولأن المعلم قد يشق عليه ذلك ، ويعطله التعليم عن الكسب , فإذا أخذ أجرة على تعليم القرآن ، وتحفيظه ، وتعليم العلم : فالصحيح أنه لا حرج في ذلك ... ثم استدل بحديث أخذ الأجرة على الرقية ... ثم قال : وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) رواه البخاري في الصحيح أيضاً , فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم ، كما جاز أخذها على الرقية .

" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 364 ، 365 ) .

ثالثاً:

أما ما استدل به المانعون : فحديث عبادة بن الصامت وحديث أبي بن كعب رضي الله عنهما قد ضعفهما بعض أهل العلم :

قال ابن عبد البر رحمه الله :

وأما حديث القوس فمعروف عند أهل العلم ؛ لأنه روي عن عبادة من وجهين ، وروي عن أبي بن كعب من حديث موسى بن علي عن أبيه عن أبي بن كعب ، وهو منقطع .

وليس في هذا الباب حديث يجب به حجة من جهة النقل ، والله أعلم .

" التمهيد " ( 21 / 114 ) .

وقال ابن بطَّال رحمه الله :

"واحتجوا بأحاديث ضعاف ، منها : حديث عبادة بن الصامت ...

وأما قول الطحاوى : إن تعليم الناس القرآن بعضهم بعضاً فرض : فغلط ؛ لأن تعلم القرآن ليس بفرض ، فكيف تعليمه ؟! وإنما الفرض المتعين منه على كل أحد : ما تقوم به الصلاة ، وغير ذلك : فضيلة ، ونافلة ، وكذلك تعليم الناس بعضهم بعضاً الصلاة ليس بفرض متعين عليهم ، وإنما هو على الكفاية ، ولا فرق بين الأجرة على الرقَى ، وعلى تعليم القرآن ؛ لأن ذلك كله منفعة .

وقوله عليه السلام : ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله ) هو عام يدخل فيه إباحة التعليم وغيره ، فسقط قولهم" انتهى باختصار .

" شرح صحيح البخاري " ( 6 / 405 ، 406 ) .

رابعاً:

أما ضابط النية في تحصيل الأجر الأخروي مع الدنيوي : فهو ما قاله بعض الأئمة ، ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من التفريق بين من يأخذ ليقوم بالعمل الصالح ، وبين من يقوم بالعمل الصالح ليأخذ الأجر ، فالأول فعله حسن ، والثاني : ليس له في الآخرة أجر ، وإنما أخذ أجره في الدنيا ، والأول يقصد الدين ، والمال وسيلة له ، والثاني يقصد المال ، والدين وسيلة له ، وشتان ما بينهما .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :

وجماع هذا : أن المستحب : أن يأخذ ليحج ، لا أن يحج ليأخذ ، وهذا في جميع الأرزاق المأخوذة على عمل صالح ، فمن ارتزق ليتعلم ، أو ليعلِّم ، أو ليجاهد : فحسن ، كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( مثل الذين يغزون من أمتي ويأخذون أجورهم مثل أم موسى ترضع ابنها ، وتأخذ أجرها ) ، شبههم بمن يفعل الفعل لرغبة فيه كرغبة أم موسى في الإرضاع ، بخلاف الظئر (المرضعة) المستأجر على الرضاع إذا كانت أجنبية .

وأما من اشتغل بصورة العمل الصالح لأن يرتزق : فهذا من أعمال الدنيا ، ففرق بين من يكون الدين مقصوده والدنيا وسيلة ، ومن تكون الدنيا مقصوده ، والدين وسيلة ، والأشبه : أن هذا ليس له في الآخرة من خلاق ، كما دلت عليه نصوص ، ليس هذا موضعها .

" مجموع الفتاوى " ( 26 / 19 ، 20 ) .

فالوصية لأهل العلم وطلاَّبه أن يقصدوا في خروجهم على الفضائيات : تعليم الناس ، ورفع الجهل عنهم ، ونشر الاعتقاد الصحيح ، ومن أغناه الله من فضله فليستعفف عن المال ، ومن احتاج فليأخذ ما يتيسر له دون اشتراط مبالغ باهظة ، وليجعل المال وسيلة له ، لا غاية ، حتى لا يُحرم الأجر الأخروي .

والوصية للمؤلفين ، والخطباء ، والمدرسين ، أن يراعوا أحوال الناس ، وأن لا يبالغوا في حقوق الطبع ، والتأليف ، والتوزيع ، وليكن على بالهم الأجور الأخروية ، والثواب الجزيل من الله لمن نشر علماً ، أو رفع جهلاً ، والفوز برضا الله وثوابه لا يعدله شيء .

والله أعلم

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب

موضوعات ذات صلة