الحمد لله.
أولا :
إذا طلق الرجل زوجته طلاقا بائنا ، فليس لها نفقة ولا سكنى زمن العدة ، إلا أن تكون حاملا.
والبينونة نوعان: بينونة صغرى ، وتكون بالطلاق قبل الدخول ، وبالطلاق على عوض
[ يعني : مقابل مال يأخذه الزوج ] .
وبينونة كبرى: وتكون بتمام ثلاث طلقات .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ( وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة , فلا سكنى لها , ولا نفقة , إلا أن تكون حاملا ) .
وجملة الأمر , أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا , فإما أن يكون ثلاثا , أو بخلع , أو بانت بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى :
( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) الطلاق /6 ، وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : ( لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ) ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب , كما وجبت أجرة الرضاع .
وإن كانت حائلا [ ليست حاملا ] , فلا نفقة لها .
وفي السكنى روايتان : إحداهما : لها ذلك وهو قول عمر , وابنه وابن مسعود , وعائشة , وفقهاء المدينة السبعة ومالك , والشافعي ; للآية.
والرواية الثانية , لا سكنى لها , ولا نفقة ، وهي ظاهر المذهب , وقول علي , وابن عباس , وجابر , وعطاء , وطاوس , والحسن وعكرمة , وميمون بن مهران , وإسحاق , وأبي ثور , وداود .
وقال أكثر الفقهاء العراقيين : لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة , وابن أبي ليلى , والثوري , والحسن بن صالح , وأبو حنيفة وأصحابه , والبتي , والعنبري " انتهى من "المغني" (8/185).
والدليل على أن المطلقة طلاقا بائنا لا نفقة لها ولا سكنى : ما رواه مسلم (1480) عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ ، فَسَأَلْتُهَا عَنْ قَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهَا ، فَقَالَتْ : طَلَّقَهَا زَوْجُهَا الْبَتَّةَ ، فَقَالَتْ : فَخَاصَمْتُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السُّكْنَى وَالنَّفَقَةِ ، قَالَتْ : فَلَمْ يَجْعَلْ لِي سُكْنَى وَلَا نَفَقَةً ، وَأَمَرَنِي أَنْ أَعْتَدَّ فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ .
وفي رواية لمسلم أيضا : قَالَتْ: فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ وَلَا سُكْنَى ).
وفي رواية لأبي داود : ( لَا نَفَقَةَ لَكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا ) .
قال ابن عبد البر رحمه الله : " لكن من طريق الحجة وما يلزم منها قول أحمد بن حنبل ومن تابعه أصح وأحج ؛ لأنه لو وجب السكنى عليها ، وكانت عبادة تعبدها الله بها ، لألزمها ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يخرجها عن بيت زوجها إلى بيت أم شريك ، ولا إلى بيت ابن أم مكتوم ... وإذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لفاطمة بنت قيس وقد طلقت طلاقا باتا : ( لا سكنى لك ولا نفقة وإنما السكنى والنفقة لمن عليها رجعة ) ؛ فأي شيء يعارَض به هذا ؟ هل يعارَض إلا بمثله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو المبين عن الله مراده من كتابه . ولا شيء عنه عليه السلام يدفع ذلك ، ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله عز وجل : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ ) من غيره " انتهى من "التمهيد" (19/151).
فإن سمح الزوج ببقائها في بيته زمن العدة ، فلا بأس ببقائها ، بشرط أن تحتجب منه ، لأنه بالبينونة صار أجنبيا عنها ، والأولى أن تعتد في بيت أهلها ، سدا لباب الفتنة ، كما حدث في السؤال المذكور؛ فالشيطان زينها في عينه ، وزينه في عينها ، حتى وقعا في عمل محرم ، وقد كان جاهدا في تقبيح كل منهما للآخر، حتى وقع بينهما الطلاق ثلاثا ؛ ( فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ) الحشر /2 .
ثانيا :
معانقة المطلقة البائن لزوجها عمل محرم ، وكذلك ما وقع بعده من لمس ذكره الخ ، والواجب عليهما التوبة إلى الله تعالى ، والندم على هذا الفعل المنكر ، ولا يخفى أنهما بالطلاق الثلاث صارا أجنبيين ، فلا يحل النظر أو اللمس ، فضلا عن المعانقة وما ذكرت ، ولا يحل أن يرجع لها حتى تنكح زوجا غيره ، نكاحَ رغبة [ يعني : أن تكون راغبة هي وزوجها الجديد في النكاح الثاني ] ، لا نكاحَ تحليل ، ثم يموت عنها أو يفارقها .
وينظر : سؤال رقم 14038
والله أعلم .
تعليق