الأحد 21 جمادى الآخرة 1446 - 22 ديسمبر 2024
العربية

حكم ملكية المال الحرام عن طريق الميراث

127227

تاريخ النشر : 08-01-2009

المشاهدات : 90890

السؤال

كذبت جدتي على الورثة أبناء زوجها من الزوجة الأولى المتوفاة ، وقالت لهم : المنزل وبعض القطع الأرضية كتبها لي أبوكم . ماتت جدتي انتقل ذلك الإرث إلى أبي ، مات أبي ، انتقل الإرث لنا – أبناءه – فهل هذا الإرث حلال أم حرام؟ فكّرنا أن نرجعه إلى أصحابه من أبناء عمومتنا ؛ لأن الأعمام ماتوا ! ماذا نفعل؟

الجواب

الحمد لله.

ما فعلته الجدة ـ عفا الله عنها ـ باطل لا شك في بطلانه ؛ فقد جمع بين كبيرتين شنيعتين : الكذب ، وأكل أموال الناس بالباطل . قال الله تعالى : ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ) البقرة/188، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) النساء /29 .

ثم إن تقادم العهد ، وطول المدة ، وموت صاحب الحق الأصلي : كل ذلك لا يغير من الواقع شيئا ، ولا يجعل هذا المال الباطل حلالا ، للجدة ، أو لأحد من ورثتها .

وقد ذهب الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ، وهو اختيار شيخ الإسلام إلى أن الموت لا يطيب المال الحرام ، بل الواجب فيه الرد على مالكه إن كان معروفا ، فإن لم يكن معروفا تصدق به على الفقراء والمساكين .

"حاشية ابن عابدين" (5/104) - "المجموع" (9/428) – "إحياء علوم الدين" (2/210) – "الإنصاف" (8/323) - "الفتاوى الكبرى" (1/478)

وهذا هو الصواب المتعين لبراءة الذمة .

قال ابن رشد الجد :

" وأما الميراث : فلا يُطَيِّب المال الحرام ، هذا هو الصحيح الذي يوجبه النظر . وقد روي عن بعض من تقدم أن الميراث يطيبه للوارث ، وليس ذلك بصحيح "

"المقدمات الممهدات" (2/617)

وقد سئل يحيى بن إبراهيم المالكي عن المال الحرام : هل يحله الميراث أم لا ؟ فأجاب " لا يحل المال الحرام في قول مالك " انتهى "المعيار المعرب" (6/47).

وقال النووي رحمه الله :

" منْ وَرِثَ مَالًا وَلَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَيْنَ كَسَبَهُ مُوَرِّثُهُ , أَمِنْ حَلَالٍ أَمْ مِنْ حَرَامٍ ؟ وَلَمْ تَكُنْ عَلَامَةً , فَهُوَ حَلَالٌ بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ , فَإِنْ عَلِمَ أَنَّ فِيهِ حَرَامًا وَشَكَّ فِي قَدْرِهِ أَخْرَجَ قَدْرَ الْحَرَامِ بِالِاجْتِهَادِ "

انتهى "المجموع" (9/428)

وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عَنْ رَجُلٍ مُرَابٍ خَلَّفَ مَالًا وَوَلَدًا وَهُوَ يَعْلَمُ بِحَالِهِ , فَهَلْ يَكُونُ الْمَالُ حَلَالًا لِلْوَلَدِ بِالْمِيرَاثِ , أَمْ لَا ؟ 

فأجاب :

" الْقَدْرُ الَّذِي يَعْلَمُ الْوَلَدُ أَنَّهُ رِبًا : يُخْرِجُهُ , إمَّا أَنْ يَرُدَّهُ إلَى أَصْحَابِهِ إنْ أَمْكَنَ , وَإِلَّا تَصَدَّقَ بِهِ.

وقد َبَيَّنَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الظُّلَامَةَ إذَا كَانَتْ فِي الْمَالِ طَالَبَ الْمَظْلُومُ بِهَا ظَالِمَهُ , وَلَمْ يَجْعَلْ الْمُطَالَبَةَ لِوَرَثَتِهِ , وَذَلِكَ أَنَّ الْوَرَثَةَ يَخْلُفُونَهُ فِي الدُّنْيَا , فَمَا أَمْكَنَ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا كَانَ لِلْوَرَثَةِ , وَمَا لَمْ يُمْكِنْ اسْتِيفَاؤُهُ فِي الدُّنْيَا فَالطَّلَبُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ لِلْمَظْلُومِ نَفْسِهِ "

انتهى مختصرا "الفتاوى الكبرى" (1/478)

فعلى ما تقدم : يجب رد المال إلى الورثة المستحقين على الحقيقة ، كما أمر الله تعالى ، وينقل إليهم في هذه الصورة باعتبار أن الورثة الأصليين ـ الذين هم أعمامك ، أبناء المرأة الأخرى ـ أحياء ، ثم ينظر بعد ذلك فيمن يرث نصيب كل واحد منهم .

ولعل الله أن يعفو عن جدتكم ، متى رددتم الحق كاملا إلى أهله ، واستسمحتموهم فيما فات . 

والله تعالى أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب