الحمد لله.
أولاً:
ما في السؤال هو محض خيال ، وتدليس على النفس ، وتلبيس من إبليس ! فكيف لإجبارٍ على الزنا أن يستمرَّ ربع قرن من الزمان ؟! يمكن أن يحدث أن تُجبرالمرأة على الزنا من والد زوجها ، أو من غيره ، مرة أو مرتين ؛ يوما أو يومين ؛ لكن استمرار ذلك الإجبار خمساً وعشرين سنة هو أمر غير متخيَّل ، وهل عجزت عن إخبار زوجها طيلة هذه المدة ؟ وكيف لم تخبر أهلها ؟ وكيف لم تهرب منه ومن إجباره المزعوم ؟!! وكيف ، وكيف .. ؟
أسئلة كثيرة ترد في الذهن على مثل ذلك الادعاء الغريب تجعلنا نرفض حتى مجرد التفكير فيه .
ثانياً:
من المعلوم في الشرع المطهَّر : أن زوجة الابن محرَّمة على والد زوجها إلى يوم القيامة ، قال تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ ... وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُوراً رَحِيماً ) النساء/ 23 ، ومن كانت من النساء محرَّمة النكاح : كان الزنا بها أشد إثماً ، وأعظم جرماً من الزنا بغيرها ممن يجوز له نكاحها ، ولذا كانت عقوبة الزنا بالمحارم : القتل على كل حال ، محصناً كان الزناة أو غير محصنِين ، على الصحيح من أقوال العلماء .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
الصحيح : أن الزنا بذوات المحارم فيه القتل بكل حال ؛ لحديث صحيح ورد في ذلك – وهو حديث ( مَنْ وَقَعَ عَلَى ذَاتِ مَحْرَمٍ فَاقْتُلُوهُ ) رواه الترمذي وغيره ، واختلف في رفعه ووقفه - ، وهو رواية عن أحمد ، وهي الصحيحة ، واختار ذلك ابن القيم في كتاب " الجواب الكافي " أن الذي يزني بذات محرم منه : فإنه يُقتل بكل حال ، مثل : ما لو زنا بأخته - والعياذ بالله - ، أو بعمته ، أو خالته ، أو أم زوجته ، أو بنت زوجته التي دخل بها ، وما أشبه ذلك ؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال ، لا بعقد ، ولا بغيره ؛ ولأن هذه فاحشة عظيمة .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 14 / 246 ، 247 ) .
وقال ابن قيم الجوزية - رحمه الله - في التعليق على عقوبة قتل من وقع على ذات محرَم - :
وهذا الحكم على وِفق حكم الشارع ؛ فإن المحرَّمات كلما تغلظت : تغلظت عقوباتها ، ووطء من لا يباح بحال : أعظم جُرماً مِن وطء مَن يباح في بعض الأحوال ، فيكون حدُّه أغلظ .
" زاد المعاد " ( 5 / 36 ) .
وانظر في مسألة الزنا بالمحارم : جوابي السؤالين : ( 84982 ) و ( 104486 ) ففيهما تفصيل مفيد .
والواجب على من تلبس بتلك القاذورة أن يتوب إلى الله قبل أن يلقاه على هذه الكبيرة ، وأن يصلح حاله وشأنه ، وأن يبتعد عن مكان تلك المعصية دون تأخير ، أو تردد .
وينظر في حكم الرجم للمحصن : أجوبة الأسئلة : ( 83034 ) و ( 20824 ) و ( 8981 ) .
ثالثاً:
لو ثبت زنا الأب بزوجة ابنه : لم يكن ذلك مفسداً للنكاح على الراجح من أقوال العلماء ، وقد وقع في المسألة خلاف ، فالحنفية والحنابلة يرون أن الزنا موجب لفسخ النكاح ، وهو قول عند المالكية ، وذهب الشافعية إلى أن زنا الأب بزوجة ابنه : لا يحرم الزوجة على الابن ، ولا يوجب فسخ النكاح ، وهو القول الآخر عند المالكية ، وهو الأشهر والمعتمد عندهم .
قال الشافعي – رحمه الله - :
فإن زنى بامرأة أبيه ، أو ابنه ، أو أم امرأته : فقد عصى الله تعالى ، ولا تحرم عليه امرأته ، ولا على أبيه ، ولا على ابنه ، امرأته ، لو زنى بواحدة منهما .
" الأم " ( 5 / 153 ) .
والراجح : هو مذهب الشافعي رحمه الله .
وهو الذي رجحه طائفة من المحققين المعاصرين .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
لو أن رجلاً زنى بامرأة فهل يحرم عليه أصلها وفرعها ؟ وهل يحرم عليها أصله وفرعه ؟ لا يحرم ؛ لأنه لا يدخل في قول : ( وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ ) ، وقوله : ( وَلاَ تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ ) ، وقوله : ( وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ ) ، والزانية لا تدخل في هذا ، فالمزني بها ليست من حلائل الأبناء ، وكذلك أمُّ المزني بها ليست من أمهات نسائك ، إذاً : فتكون حلالاً ؛ لدخولها في قوله تعالى : ( وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ ) ، وفي قراءة و " أَحلَّ لكم ما وراء ذلك " .
والمذهب : أن الزنا كالنكاح ، فإذا زنا بامرأةٍ : حرُم عليه أصولها ، وفروعها ، وحرم عليها أصوله ، وفروعه ، تحريماً مؤبَّداً ، وهذا من غرائب العلم ، أن يُجْعل السفاح كالنكاح، وهو من أضعف الأقوال .
" الشرح الممتع " ( 12 / 119 ، 120 ) .
وقال – رحمه الله - :
هذا الواطئ وطئ مَن ليست زوجةً له ، لا شرعاً ، ولا اعتقاداً ، ولا يمكن أن يلحق السفاح بالنكاح ، فإلحاق هذا بهذا : من أضعف ما يكون .
" الشرح الممتع على زاد المستقنع " ( 13 / 332 ) .
وينظر جواب السؤال رقم : ( 78597 ) .
وبخصوص العدة على المغتصبة : ينظر تفصيلها في جواب السؤال رقم : ( 121438 ) .
ولعل مثل هذه الحوادث أن تبين للناس مدى الظُّلْمة التي يعيش فيها من ابتعد عن دين الله تعالى ، وسواء ثبتت تلك الواقعة أو لم تثبت : فقد ثبت غيرها كثير ، فالواجب على المسلمين أن ينتبهوا قبل أن يصبحوا عبرة لغيرهم ، وليراعوا فروقات الأعمار بين آبائهم وزوجاتهم ، وبين الرجال وأمهات نسائهم ، فالأب الفتي الشاب ليس كالشيخ الكبير ، وأم الزوجة الكبيرة ليست كالشابة الفتية ، ومن لم يراعِ مثل هذا ، وسمح لنفسه بالتساهل في اللمس ، والتقبيل ، والخلوة : فقد يسقط على أم رأسه ، وفي الحوادث الكثيرة عبر لمن اعتبر .
والله أعلم
تعليق