الحمد لله.
" قد أجمع علماء الإسلام على تحريم ذبائح المشركين من عباد الأوثان ومنكري الأديان ونحوهم من جميع أصناف الكفار غير اليهود والنصارى والمجوس ، وأجمعوا على إباحة ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار ، فذهب الأئمة الأربعة والأكثرون إلى تحريمها إلحاقا للمجوس بعباد الأوثان وسائر صنوف الكفار من غير أهل الكتاب ، وذهب بعض أهل العلم إلى حل ذبيحتهم إلحاقا لهم بأهل الكتاب ، وهذا قول ضعيف جدا بل باطل ، والصواب ما عليه جمهور أهل العلم من تحريم ذبيحة المجوس كذبيحة سائر المشركين ؛ لأنهم من جنسهم فيما عدا الجزية ، وإنما شابه المجوس أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم فقط ، والحجة في ذلك قول الله سبحانه في كتابه الكريم : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) المائدة/5 .
فصرح سبحانه بأن طعام أهل الكتاب حل لنا ، وطعامهم : ذبائحهم ، كما قاله ابن عباس وغيره من أهل العلم ، ومفهوم الآية : أن طعام غير أهل الكتاب من الكفار حرام علينا ، وبذلك قال أهل العلم قاطبة إلا ما عرفت من الخلاف الشاذ الضعيف في ذبيحة المجوس .
إذا علم هذا ؛ فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية إن عُلم أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين ، إذا لم يُعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي ، إذ الأصل حلها بالنص القرآني ، فلا يعدل عن ذلك إلا بأمر متحقق يقتضي تحريمها .
أما إن كانت اللحوم من ذبائح بقية الكفار فهي حرام على المسلمين ، ولا يجوز لهم أكلها بالنص والإجماع ، ولا تكفي التسمية عليها عند غسلها ولا عند أكلها .
أما ما قد يتعلق به من قال ذلك فهو وارد في شأن أناس من المسلمين كانوا حديثي عهد بالكفر ، فسأل بعض الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقالوا : ( يا رسول الله ، إن قوما حديثي عهد بالكفر يأتوننا باللحم ، لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟) رواه البخاري من حديث عائشة رضى الله عنها ، وبذلك يتضح أنه لا شبهة لمن استباح اللحوم التي تجلب في الأسواق من ذبح الكفار غير أهل الكتاب بالتسمية عليها ؛ لأن حديث عائشة المذكور وارد في المسلمين ، لا في الكفار فزالت الشبهة ؛ لأن أمر المسلم يحمل على السداد والاستقامة ما لم يُعلم منه خلاف ذلك ، ولعل النبي صلى الله عليه وسلم أمر هؤلاء الذين سألوه بالتسمية عند الأكل من باب الحيطة ، وقصد إبطال وساوس الشيطان ، لا لأن ذلك يبيح ما كان محرما من ذبائحهم . والله سبحانه وتعالى أعلم .
وأما كون المسلم في تلك الدول غير الإسلامية يشق عليه تحصيل اللحم المذبوح على الوجه الشرعي ويمل من أكل لحم الدجاج ونحوه فهذا ونحوه لا يسوغ له أكل اللحوم المحرمة ، ولا يجعله في حكم المضطر بإجماع المسلمين ، فينبغي التنبيه لهذا الأمر والحذر من التساهل الذي لا وجه له . هذا ما ظهر لي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى ، وأسأل الله أن يوفق المسلمين لما فيه صلاح دينهم ودنياهم وأن يعمر قلوبهم بخشيته وتعظيم حرماته والحذر مما يخالف شرعه" انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (23/13) .
تعليق