الحمد لله.
نعم . القول بأنها ما وردت على إطلاقه غير صحيح . والقول بأنها سنة غير صحيح .
ووجه ذلك أنه لم يرد أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقف عند القبر أو في المقبرة إذا حضرت الجنازة ثم يعظ الناس ويذكرهم كأنه خطيب جمعة ، وهذا ما سمعنا به ، وهو بدعة وربما يؤدي في المستقبل إلى شيء أعظم ، ربما يؤدي إلى أن يتطرق المتكلم إلى الكلام عن الرجل الميت الحاضر ، مثل أن يكون هذا الرجل فاسقاً مثلاً ، ثم يقول انظروا إلى هذا الرجل بالأمس كان يلعب بالأمس كان يستهزئ بالأمس كان يقول كذا وكذا ، والآن هو في قبره مرتهن ، أو يتكلم في شخص تاجر مثلاً فيقول : انظروا إلى فلان بالأمس كان في القصور والسيارات والخدم والحشم وما أشبه ذلك والآن هو في قبره .
فلهذا نرى ألا يقوم الواعظ خطيباً في المقبرة لأنه ليس من السنة ، فلم يكن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقف إذا فرغ من دفن الميت أو إذا كان في انتظار دفن الميت يقوم ويخطب الناس أبداً ولا عهدنا هذا من السابقين ، وهم أقرب إلى السنة منا . ولا عهدناه أيضاً فيمن قبلهم من الخلفاء ، فما كان الناس في عهد أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا عليّ فيما نعلم يفعلون هذا ، وخير الهدي هدي من سلف إذا وافق الحق
وأما الموعظة التي تعتبر كلام مجلس ، فهذه لا بأس بها ، فإنه قد ثبت في السنن أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خرج أو أتى بقيع الغرقد وفيه ناس يدفنون ميتاً لهم ، لكن الميت لمَّا يلحد ، يعني معناه أنهم يحفرون القبر ، فجلس وجلس حوله أصحابه وجعل يحدثهم بحال الإنسان عند موته وحال الإنسان بعد دفنه حديثاً هادئاً ليس على سبيل الخطبة .
وكذلك ثبت عنه في صحيح البخاري وغيره أنه قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار " فقالوا : يا رسول الله : ألا نتكل ؟ قال : لا . اعملوا ، فكل ميسّر لما خُلِق له "
والحاصل أن الموعظة التي هي قيام الإنسان يخطب عند الدفن أو بعده ليست من السنة ولا تنبغي لما عرفت ، وأما الموعظة التي ليست كهيئة الخطبة كإنسان يجلس ومعه أصحابه فيتكلم بما يناسب المقام فهذا طيب اقتداءً برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
تعليق